بقلم : إنعام كجه جي
يا عيني. يا عيوني. نقولها في العراق تحبباً وتدليلاً للعزيز الغالي، وأحياناً من باب المجاملة لكل من هبّ ودب. غير أن مواطن العصر الحالي، في مختلف بقاع الأرض، بات يشكو من عينيه لأنه يمضي الساعات كل يوم، وهما عالقتان في شاشة الهاتف. احمرار. حكّة. تدميع. تورم وجيوب. تعب. نشاف. رؤية مشوشة.
قرأت عن طريقة مبتكرة تفيد في إراحة العينين من نهم شاشات التلفزيون والحاسب والهاتف. يسمونها: «20 ـ 20 ـ 20». والمبدأ بسيط: خذ استراحة مدتها عشرون ثانية في كل عشرين دقيقة من المطالعة. ركز عينيك خلال الاستراحة على أي شيء يقع على مسافة عشرين قدماً منك. أي ستة أمتار. وتضمن لك حكيمة عيون تدعى دانييلا أوهرينغ، من جامعة بليموث البريطانية، أنها طريقة مجربة تحمي العينين.
غداً أجربها. أما اليوم فأنا مشغولة بالترجمة لصديق عزيز محتاج لعملية تغيير عدسة العين المعتمة. يسمونها عندنا الماء الأبيض. وفي الغرب «الكاتاراكت». وهو تراجع في الرؤية بات شائعاً لدى من دخل العمر الثالث. ذاك الذي أفنى بصره في القراءة والفرجة والبصبصة. إن العمر الثالث مصطلح فرنسي مهذّب للإشارة لمن تجاوز سن الشباب. يتحسّر على العمر الثاني دونما طائل.
عرفت من صديق آخر، هو خزانة معلومات وطرائف، أن الدكتور محمود الهاشمي كان أول عراقيّ يتخصص في طب العيون وجراحتها من بريطانيا. ولم يكن العلماء، آنذاك، قد توصلوا إلى اختراع العدسة الصناعية. وبهذا فإن عملية «الكاتاراكت» تقوم على إزالة عدسة العين كلياً ثم توصف للمريض نظارات بعدسة سميكة من النوع الذي نسميه بلهجتنا «كعب بُطَل». أي قاعدة قنينة. يشقّ الجراح شقاً في العين ويطلب من المريض أن يسعل بشدة. وعند السعال تقفز العدسة من مكانها.
عاد الطبيب الشاب إلى بغداد وباشر تطبيق ما تعلمه في بلاد الإنجليز. وحدث أن أحد المرضى كان ذا صمم. يطلب منه الهاشمي أن يسعل فلا يسمع. ولم يكن أمام الجراح سوى أن يعضّه في أذنه عضة قوية. صرخ متوجعاً وقفزت العدسة من مكانها وتمت العملية بسلام. بعد ذلك، في منتصف الستينات، أجرى الدكتور محسن أبو تراب عملية ترقيع قرنية لمصاب ولد أعمى. فتح المريض عينيه وقال إنه لا يرى شيئاً لكنه يشعر أنه في عالم آخر. نجحت العملية ولم يكن لدى الدماغ مخزون من الصور فلم يدرك الأعمى ما تبصر عيناه.
ثم رجع الطبيب العراقي إلى بريطانيا وعمل في مستشفى مورفيلد الشهير للعيون حتى تقاعده. آلاف من أفضل أطبائنا وجراحينا يشتغلون هناك. وفي أميركا، وكندا، ونيوزيلندا، والخليج، والواق واق. ألقى الهاشمي، قبل وفاته، محاضرة في الجمعية الطبية العراقية - البريطانية. أحضر معه لوحة كان زملاؤه وتلاميذه قد قدموها له بمناسبة تقاعده. رسم كاريكاتيري لطبيب يعضّ أذن مريض على سرير العمليات.