دبلوماسية المائدة

دبلوماسية المائدة

دبلوماسية المائدة

 العرب اليوم -

دبلوماسية المائدة

بقلم - إنعام كجه جي

يمكن لأعقد المشكلات أن تجد حلاً على مائدة الطعام. هذا ما يؤمن به الفرنسيون. شعب ابتكر تقليد «غداء العمل». يعقد مفاوضات سياسية عسيرة وصفقات مالية ضخمة بين صحون المقبلات والطبق الرئيسي. وعندما تحضر الحلويات يكون الجميع راضين، يرفعون نخب الفوز. وكان الدبلوماسي دو تاليران، المولود في القرن الثامن عشر، أول من وضع أسس «دبلوماسية القِدْر»، أي طنجرة الطبخ، أو الحلّة. كل الخلافات تتوارى عندما يستطعم اللسان قطعة مختارة من لحم العجل وكأساً من بنات الكروم.
ليست كل الموائد ميادين للوفاق. وبسبب الكأس والأنخاب تلبدّ الجو بين باريس وطهران قبل سنوات قلائل. وألغى هولاند، الرئيس الفرنسي آنذاك، مأدبة غداء رسمية كانت مقررة في «الإليزيه» لضيفه حسن روحاني. لم يرغب الرئيس الإيراني في مشروبات كحولية على المائدة. وكان يمكن للطلب أن يمرّ وللدعوة أن تتم مع العصائر والماء القراح. لكن تقاليد المآدب الفرنسية تتعلق بالسيادة، ولا تقبل الاشتراطات.
مع محمد رضا بهلوي كان الأمر مختلفاً. زار شاه إيران الراحل فرنسا في خريف 1961 ومكث في باريس ثلاثة أيام، لا غير، حلّ خلالها مرتين ضيفاً على مائدة الرئيس ديغول. مرّة للغداء ومرّة للعشاء. اجتهد طاقم «الإليزيه» في إخراج أروع ما في خزائن القصر من كريستالات وفضيات. وكانت هناك أنواع فاخرة من اللحوم والأسماك، وطيور دراج من حصيلة الصيد الرئاسي، مشوية على طريقة «رامبوييه». أما الأنبذة فحدّث ولا حرج.
بعد سنوات من ذلك التاريخ، أواسط سبعينات القرن الماضي، أراد صدام حسين أن يرد الزيارة لصديقه جاك شيراك، رئيس وزراء فرنسا يومذاك. ولأن «السيد النائب» لا يفعل شيئاً مثل الآخرين، فقد اصطحب معه خيرة الصيادين المتخصصين بشي السمك المسكوف وجاء بهم ليقيموا مأدبة بغدادية في باريس. جمعوهم من أماكن عملهم في شارع أبي نواس، على حين غرّة، وفصّلوا لهم بدلات شعبية جديدة ووضعوهم في الطائرة مع أحواض ماء تلبط فيها الأسماك. ولا ندري هل تناول شيراك السمك المسكوف بالأصابع، حسب الأصول، أم استخدم الشوكة والسكين وفق مقتضيات الشياكة الباريسية. لكن من المؤكد أن الزاد والملح «غزّر» فيه، كما يقول البغادّة. وهو عندما تسلم رئاسة فرنسا اعترض على غزو العراق وكان مثل شوكة سمك في حلق بوش.
استضاف شيراك، أيضاً، ملكة بريطانيا التي وصلت إلى باريس، ربيع 2004، على متن قطار «يوروستار». إن بين البلدين تاريخاً شنيعاً مشتركاً يعود لقرون خلت، من أيام اقتسام أفريقيا والشرق الأوسط. استعمار ذهب مع الريح ونسمع اليوم من يطالب بعودته. وقد كانت إليزابيث الثانية سعيدة وهي تتبادل الحديث مع شيراك باللغة الفرنسية التي تتكلمها كالبلابل. وهو قد أقام لها مأدبة عشاء أسطورية من أجمل ما شهده «الإليزيه». لكن مهمة موظف البروتوكول لم تكن يسيرة. كيف يرتب جلوس 200 مدعو من الوزراء والسفراء ومشاهير النجوم.
حملت قائمة الطعام صورة للوحة «شاب يحمل زهرة» للرسام الهولندي رامبرانت، من مقتنيات «اللوفر». وما بين أطباق البورسولين المصنوعة في ورشة «سيفر»، وفضيات «كريستوفل»، وأقداح «باكاراه» المنقوشة بالحرفين الأولين للجمهورية الفرنسية، تناول المحتفلون عشاءً مؤلفاً من خمسة أطباق. فقد أعاد شيراك تقديم شوربة الخضار التي كانت قد اختفت من المآدب الرئاسية، وهو ما راق للملكة الضيفة. ثم جاء كبد الإوز المسمّن وأندر أنواع الفطر، من دون إغفال البطاطا المحمرة التي يهواها الإنجليز. أما بنات الكروم فاقتصرت على نوع واحد من أحمر بوردو الفخم المعتق الذي تفضّله إليزابيث الثانية.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية المائدة دبلوماسية المائدة



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب
 العرب اليوم - أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 15:40 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

SpaceX تطلق 21 قمرًا صناعيًا من Starlink إلى المدار

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

حريق جديد في لوس أنجلوس وسط رياح سانتا آنا

GMT 15:41 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعرض 65 مليون يورو لضم كامبياسو موهبة يوفنتوس

GMT 03:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استمرار غياب تيك توك عن متجري أبل وغوغل في أميركا

GMT 03:02 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

زلزال بالقرب من سواحل تركيا بقوة 5 درجات

GMT 03:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استشهاد مسؤول حزب الله في البقاع الغربي محمد حمادة

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 03:08 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع ضحايا حريق منتجع للتزلج في تركيا لـ76 قتيلًا

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

الصين تختبر صاروخاً فضائياً قابل لإعادة الاستخدام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab