بقلم - إنعام كجه جي
هو معنى ملتبسٌ حتى في معاجم لغات العالم الأول، فما بالك بمفاهيم العالم الثالث؟ وفي السنوات الأخيرة، كانت هناك اعتراضات على تعريف قاموس أكسفورد لمعنى المرأة في اللغة الإنجليزية. إنَّها «الجنس اللطيف، الزوجة، الخليلة، والخادمة». لكن الزمن تغير. ووصلت إلى الحكم في بريطانيا سيدة حديدية. صار هاجس القائمين على القاموس تنقية معانيه من الأوصاف البائدة التي تجاوزها العصر.
أما في اللغة الفرنسية، فإنَّ المفردة مأخوذة من اليونانية «فيمينا». وهي لفظة قريبة من الفعل رضع. وكانت الكلمة تستخدم لوصف أنثى الحيوان. ومنذ القرن العاشر الميلادي راحت تستعمل لإناث البشر. ثم صارت تعني، أيضاً، زوجة الرجل.
وتبقى لفظة امرأة عجيبة في العربية. مفردة لا جمع لها. هي على الأرجح تأنيث لمفردة امرئ. وأن تولدي امرأة عربية فتلك، لعمري، أحجية الأحاجي. أنت مثل السمك الذي يقول عنه المثل الشعبي إنَّه مأكول مذموم. أطنان من قصائد الغزل تكتب لك، لكن التشريعات تتربَّص بك. وملايين العيون تراقبك. وعليك أن تسيري على الحبل الرفيع مثل لاعب السيرك. إيَّاك وزلة القدم. ستشحذ كل السكاكين فوق رقبتك، عفواً، جيدك الذي يحبه عمر بن أبي ربيعة طويلاً لتكوني «بعيدة مهوى القرط».
كل ما تقدم من تعريفات لا يؤخر ولا يقدم واقعاً عالمياً يتأرجح ما بين التخبط والاجحاف. ظهرت كلمة «جندر». وتشريعات تبيح زواج المثل. ومجتمعات يثور نصفها ضد النصف الآخر. وقرارات بالمحاصصة تضمن للنساء نصيباً. حركات تفضح التحرش بهن. وتعديلات لسن الزواج. وصراع بين «مساواة» و«عدالة». من الذي يمسك الميزان، يعدله أو يخسره؟
في بلادنا، يزدحم الفضاء الإلكتروني بصور الما قبل والما بعد. نواد وموسيقى ودبكة وتويست. أفلام قديمة ذات قبلات. وأفلام جديدة يعود فيها البطل من سفر فلا يعانق زوجته بل يقبل رأسها. كأنَّها الست الوالدة. صور لطالبات في جامعة القاهرة، أو جامعة بغداد، قبل أربعين عاماً. ولقطات موازية للطالبات الجامعيات اليوم. أزياء أوروبية وميني جوب، وتسريحات ملونة ذهبت مع الريح. فرضت الحشمة قوانينها. تتسع الهوة ما بين الظاهر والباطن.
في بلدي، العراق، تأسَّس أولُ نادٍ للمرأة سنة 1923، كان اسمُه نادي النهضة النسائية. تسمية جرت عليه الويلات. تزامن مع تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي. وفي العام ذاته صدرت أول مجلة نسائية في بغداد بعنوان «ليلى». أرادتها رئيسة تحريرها بولينا حسون: «لساناً لدعوة وترجماناً لفكرة وقلماً صادقاً معبراً عن مطالب المرأة». وفي العام التالي قامت معركة بسبب أول درس للرياضة البدنية في مدرسة البارودية للبنات. قررت المديرة أن يكون الدرس على السطح، الأمر الذي أثار استهجان رجل من الجيران فاشتكى لوزارة المعارف. ذهبت لجنة للتحقيق في الواقعة. وفي عام 1926 سافرت أول عراقية للدراسة في الخارج. كان اسمها مديحة صالح زكي ودرست طبَّ الأسنان على نفقتها. وفي العام نفسه أرسلت الحكومة الطالبة مديحة ياسين عمر لتدرس الفنون التشكيلية في أوروبا. وفي 1930 سافر وفد نسائي مؤلف من سيدتين لتمثيل العراق في أول مؤتمر لنساء الشرق عقد في دمشق، بدعوة من نور حمادة رئيسة المجمع النسائي العربي في بيروت. وألقت عضو الوفد، أمينة الرحال، خطاباً كان ثورياً في وقته، دعت فيه إلى مشاركة المرأة للرجل في جهاده في سبيل التحرر. وفي 1959 أصبحت الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات. أول عربية تصل إلى كرسي الوزارة.
انفلت العقال. وهناك اليوم تناسبٌ طرديٌّ ما بين الورع وعكسه. ما بين السبحة والدولار. منحوا المرأة حصتَها في البرلمان وتركوها مقهورة في بيتها. لم ينلها من الحروب سوى الثكل والترمل والأحزان. فلمَّا أشرقت شمس الديمقراطية زادت الدموع بلة. تنزل الأمهات في مدينة الناصرية لكي يفصلن بين صفوف المحتجين من جهة، وبين قوات القمع من جهة. وفي الموصل جثث لعائلات ما زالت تحت الأنقاض منذ سنوات. بأي وجه نقول للعربية، في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن وليبيا وتونس: هذا يوم المرأة العالمي فاحتفلي وهللي؟