أمسية في غابة

أمسية في غابة

أمسية في غابة

 العرب اليوم -

أمسية في غابة

بقلم - إنعام كجه جي

كانت الدعوة مغرية فوق الاحتمال. مهرجان لأفلام يقام في غابة على حدود باريس. يبثّ التلفزيون مقابلاتٍ ترويجية خلابة مع النجوم. ترى الممثلة جولييت بينوش ترتدي قميصاً سماوياً وتجلس تحتَ أشجار تتهدل أغصانها، مُلقية بالظلال على ملامحها الناعمة. تسمعها تدعوك بصوت ناعم: تعال إلى الغابة ليلاً لتسترخي بين الزان والصفصاف وتشاهد السينما. سيكون كل ما حولك أخضر. هل هناك أجمل من أن يداعب وجهك غصن وتعلق بشعرك وريقات وأعشاب؟

كلامها ذكّرني بصديقتي الأستاذة الجامعية التي تجمع بين رصانة العلم وشفافية الكائن اللماح. قالت في لحظة مكاشفة إنها اختارت زوجها لتمضي معه حياتها من بين آخرين تقدموا لها في صباها. كان الشاب الذي أزاح غصناً اعترض وجهها في الحديقة. تركها تمر بسلام، بدون خدش.

الساعة تقترب من انتصاف الليل وشمس صيفهم تغرب متأخرة. حان وقت السينما. والكرسي الخشبيّ الواطئ من الكتّان يشبه مقاعد الشاطئ. تتحكّم في ارتفاع ظهره وتترك نفسك لتجربة مختلفة. لا بحر هنا ولا رائحة يود ولا تردد أمواج. أنت في حضن أخضر يفوح بعبق تربة خصبة. تتفرج على شاشة مضاءة بالجمال وسط العتمة والسكون. تغمض عينيك وتتمنى ألا ترى طرزان في الغابة بل العظيمة كاترين هيبورن، على ضفة البحيرة الذهبية، تلاحق العجوز العصبي هنري فوندا بنظرات تحيل النار رماداً.

يقام المهرجان خلال الصيف في أكثر من غابة على امتداد البلاد. كل العروض بالمجان. الهدف توعية أمثالي من الجهلة والمغفلين بمحنة هذه المساحات التي تتقلص فيضيق الشهيق في الكرة الأرضية. كان عدد مزارع فرنسا مليونين بعد الحرب الثانية لم يبق منها سوى نصف مليون. هناك 200 مزرعة تختفي كل أسبوع. كل سبعة أيام. يُشهر أصحابها إفلاسهم أمام منافسة المحاصيل الخارجية. أو يكبرون ويتعبون ويتقاعدون ويرون أبناءهم يهجرون الريف إلى المدينة. يفضّل أحفادهم الهامبورغر على حساء اليقطين.

كان ابني في السابعة حين أخذوه مع رفاقه في المدرسة لقضاء أسبوع في غابة. هاج قلق الأم وأردت الاعتراض. أين سينام وماذا سيأكل ومن يحميه من الكواسر والوحوش؟ ضحكت مديرة المدرسة الفرنسية وقالت إن على الولد أن يخرج من غابة الأسمنت التي نعيش فيها، وأن يتعرف على الطبيعة، أمنا الحنون. لن تفترسه دبّة لكنه سيقترب من أعشاش الحمام ويتذوق ثمار الجوز ويقشّر الكستناء ويلمس أجنحة الفراشات. عاد الولد ومعه باقة أعشاب مجففة، هدية لي.

الغابات والصحاري لا تطلع إلا من مخيلة فنان فذ. رأيت تقريراً عن صحراء في تشيلي، جنوب الكرة الأرضية، كانت الأكثر جفافاً على كوكب الأرض. ثم أمطرت السماء فجأة وتزينت الكثبان الرملية بأزهار بنفسجية تشبه تويجات الزعفران. هل كان صديقنا الروائي إدوار الخرّاط يتصور المعجزة حين كتب عن الإسكندرية «ترابها زعفران»؟

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمسية في غابة أمسية في غابة



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:24 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

نهج التأسيس... وتأسيس النهج

GMT 07:29 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

كم سيندم لبنان على فرصة اتفاق 17 أيّار...

GMT 05:50 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

حقائق غامضة

GMT 18:20 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

إنستجرام يضيف ميزات جديدة للرسائل المباشرة

GMT 09:50 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

أنغام تتألق في حفل تكريم عبدالله الرويشد

GMT 08:09 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

كيف فكك المغرب خلية داعش؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab