بقلم: إنعام كجه جي
من ينسى وجهه البريءَ الساحر في فيلم «الرولزرايس الصفراء» أمام شيرلي ماكلين؟ لم يكن البطل ولا هي البطلة بل السيارة الفخمة التي احتضنت المغامرة. أدى دور ستيفانو، مصوّر جوّال فقير تصطاده، في لحظة فراغ، زوجة كونت إنجليزيّ في ثلاثينات القرن الماضي. غرقت في زرقة عينيه واستدعته فلبى النداء. رمى طاقيته أرضاً وخلع نعليه وركب السيارة الفارهة. فتى الشاشة الفرنسية. هكذا كان لقبه قبل نصف قرن. ممثل شاب له من الوسامة ما يبهت جمال أي نجمة تقف أمامه. وهو اليوم في الثامنة والثمانين، يتنازع ابنه وابنته إرثَ أبٍ لم يلفظ النَفَس الأخير.
ظهر ألان ديلون في أكثر من مائة فيلم. لم يكن يمثّل بل يعيش الدور. وقف على المسرح وكان أيضاً مخرجاً ومنتجاً قدّم العشرات من قصص المطاردات دون أن يضاهي أحدها ما في حياته الحقيقية من إثارة. كان أبوه مديراً لسينما في الضواحي وأمّه سليلة أسرة كورسيكية يربطها نسب مع عائلة نابليون. تطلّق والداه وهو في الرابعة وانتقل للعيش مع أسرة مُضيفة. ربّ الأسرة حارس في سجن «فرين» القريب من باريس. سمع الولد، من شباك غرفته في مساكن الحراس، رصاصات إعدام بيير لافال، السياسي الفرنسي الذي أدين بالخيانة العظمى لتعاونه مع المحتلين الألمان.
تنقل بين الملاجئ الخيرية وطُرد من المدارس ست مرات. تزوجت والدته من جزّار واستعادت ابنها ليعمل مع زوجها الجديد. كان مقدّراً له أن يمضي حياته يقطع اللحوم ويحشو المقانق، لولا فرصة جاءته لتمثيل دور مجرم في فيلم قصير. مدة الفيلم 22 ثانية فحسب. والمخرج هو والد أحد أصدقائه. نصف دقيقة كانت كافية لأن تحشر السينما في رأس الفتى ألان. هرب من البيت وهو في الرابعة عشرة على أمل السفر إلى شيكاغو. أليست تلك مدينة المجرمين على الشاشة؟ لكن الشرطة أوقفته في بوردو، قبل ركوب البحر.
في السابعة عشرة استدعيَ للخدمة العسكرية. ألحقوه بالبحرية فتورّط في سرقة معدات من الثكنة. كان عليه أن يختار ما بين الطرد أو تمديد مدة خدمته من ثلاث سنوات إلى خمس. اختار التمديد وصار بحّاراً في ترسانة سايغون، ما كان يُسمّى الهند الصينية. وقبيل نهاية الحرب سرق سيارة جيب وطُرد من الخدمة. خرج من الجيش شغوفاً بالأسلحة وأفلام المسدسات. شاهد وهو في سايغون فيلماً للكبير جان غابان وأراد أن يكون مثله.
حين عاد إلى باريس التقى صبيّة إيطالية من شبرا تهوى الغناء. عاش معها غراماً عابراً قبل أن يشتهر ممثلاً وتصبح هي داليدا. فتحت له وسامته أبواب الحظ. عشقته ممثلة كبيرة ساعدته في الحصول على أدوار صغيرة. وأحبّه الرجال أيضاً. دعاه الممثل جان كلود بريالي إلى مهرجان «كان» وتكفّلت ملامحه بالباقي. أطلقت عليه الصحافة لقب «الوجه الملائكي». وكان لا بد أن يجتذب أنظار المخرج الإيطالي لوتشينو فيسكونتي. بفضله نال أول أدواره المهمة في فيلم «روكو وأخوته» 1960. كان هو روكو، بطل الفيلم، وشريكته ممثلة مبتدئة تدعى آني جيراردو.
تقلّب فتى الشاشة الفرنسية في أحضان عشرات النساء. عاش شهرياراً يجمع الجميلات وتجمع أفلامه 143 مليون متفرج. طارت شهرته إلى كل أوروبا والشرق. بيروت وبغداد والإسكندرية ودلهي وطوكيو. راودته هوليوود ولم يتحمّس لها. نقل إقامته من باريس إلى جنيف عسى أن ترحمه الضرائب. واليوم تنشر الصحف أخباره كعجوز خَرِفٍ بين ورثته ومحاميه، لا حول له ولا قوّة. يموت الفقير هادئاً وتتعسّر حشرجات صاحب المال!