أصيلة 44

أصيلة 44

أصيلة 44

 العرب اليوم -

أصيلة 44

بقلم - إنعام كجه جي

 

غبت عنها خمس سنوات وعدت لأجدها قد نضجت بما يحتاج لخمسين سنة. إنها أصيلة، البلدة المغربية الشمالية التي صارت مدينة ممتدة طولاً وعرضاً. وهناك من المدن ما يكبر عشوائياً. لكن هذه البلدة المتكئة على كتف الأطلسي اتسعت بكثير من الذوق وحسن التخطيط. يكفي أن تتفرج على تنظيم رصيف الكورنيش المرصوف بالمويجات والمزروع بطفلات النخيل لكي تتأكد أن وراءها عيوناً فنانة ترعاها.

جئتها للمرة الأولى، قبل أربعين عاماً. التقيت عمدتها محمد بن عيسى وسمعت منه كلاماً أشبه بأحلام بعيدة التحقيق، أو بنوايا حسنة تعوزها الإمكانات، ولا بد وأن تحبطها الظروف. كان يراهن على التنمية من خلال الثقافة. رهان لذيذ مثل حلوى شعر البنات، وهشّ مثلها. وكنت آتية من بلد نفطي غزير الثروات، أدرك كم أن في مقدور المال أن ينخر الثقافة.

لم تتأخر أصيلة عن موعدها رغم الزلزال والحرب. الثقافة سلاح. أعود إليها فتبهرني بفنادقها ومنتدياتها وأسواقها وبنظافتها. كانت تشتمل على فندقين شعبيين ثم ظهر فندق ثالث متعدد الطوابق، واحتفلنا بدخول أول مصعد كهربائي إلى البلدة. وها نحن في الدورة 44 من موسمها الثقافي، يحلّ المدعوون في فندق حديث قبالة المحيط، على شمرة عصا من قاعة الندوات. بيننا من يكابر ويسير على قدميه وبيننا من يذهب راكباً.

كتبت عنها، في تلك الزيارة الأولى المبكرة أنها مدينة مرسومة باليد. واليوم ما زالت جدران المدينة القديمة مرسومة وملونة بريشة فنانين موهوبين، وبأنامل أطفال جاءوا إلى ورشات مع الكبار. هاكم الحيطان البيض واتركوا عليها خيالاتكم بكل الألوان. لا تمسوا النوافذ الزرق المشرعة على السماء. لم تعد أصيلة مدينة مرسومة فحسب، بل منحوتة، تتوزع في ساحاتها نصب حجرية ومعدنية في منتهى الحداثة. صارت قبلة للشباب من فناني المغرب وفناناته.

غير أن عراب أصيلة (هكذا سمّيته) كان حديدياً في إيمانه بمشروعه. واصل الدأب ومضى يؤسس لموسم سنوي يمتلك شروط الاستمرار. وأول تلك الشروط الاعتماد على فنانين معروفين من رفاقه يشاركونه الحلم، ثم تنشئة شباب وشابات يساعدونه في العمل ويكونون خير مرافقين لضيوف الموسم.

الضيوف كثر، يزدادون دورة بعد أخرى. إلى هذه البلدة جاءت أسماء كبيرة عربية وعالمية. أحاول جمعها فتسعفني الذاكرة بالقليل: الإيطالي ألبيرتو مورافيا ومواطنه إيتوري سكولا، البرازيلي خورخي أمادو، المصريون يوسف إدريس ولويس عوض وأحمد عبد المعطي حجازي وأنيس منصور وبهجوري، والسوداني الطيب صالح، والسوري أدونيس، والفلسطيني محمود درويش ومواطنته سحر خليفة، واللبناني غسان سلامة ومواطنه مرسيل خليفة، والعراقي منير بشير ومواطنوه سعاد العطار ورافع الناصري وبلند الحيدري.

يوم صار سي بن عيسى وزيراً للثقافة، تيسرت له سبل إضافية. لكن رداء الوزير لم يسلبه شمائله. وحتى عندما أصبح سفيراً في واشنطن ثم تسلّم حقيبة الشؤون الخارجية، بقي يخصص لأصيلة جانباً أساسياً من وقته. نجح في نقل الموسم من جمعية محلية إلى مؤسسة لها امتداد عالمي. لا يكفيه أنه مثقف متعدد الاهتمامات، ولا إجادته لخمس لغات، ولا كونه رجل علاقات عامة من الطراز الأول، بل إن خصلته الأولى هي صداقاته التي يخلص لها والوفاء الذي تحفظه أصيلة لكل من ساهم في موسمها.

نجح الرهان ولعبت الثقافة دورها في تنمية البلدة التي كانت قرية صيادين. يتمنى كل زائر لها أن تتحقق لبلدته أو قريته المعجزة التي تحققت لأصيلة. والمعجزات لا تنزل من السماء بحبال وردية. يلزمها الوفير من الإيمان والجهد والإصرار والكثير الكثير من الحب.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصيلة 44 أصيلة 44



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 18:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
 العرب اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 العرب اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 14:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

GMT 07:39 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 20 فلسطينياً في وسط وجنوب قطاع غزة

GMT 18:37 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت التعليق على الطعام غير الجيد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab