بقلم - سمير عطا الله
كانت النكتة الشائعة بين أدباء روسيا أن الكاتب الأكبر بينهما، هو «تولستويفسكي». أي مزيج من تولستوي ودوستويفسكي، عملاقي الرواية العالمية. عادت النكتة إلى التداول في أسواق النشر، مع ظهور ترجمات جديدة للروائع التي يُعتقد أن أحداً اكتناه أعماق الغموض الملازم للغة الروسية في نصوصها، خصوصاً في رائعة دوستويفسكي. وربما تحفته الأولى «الأخوة كارامازوف»، التي صدرت حديثاً في ترجمة إنجليزية يفترض أنها تجاوزت الترجمات السابقة.
كان العملاقان يكرهان بعضهما بعضاً في السر. تولستوي يأخذ على دوستويفسكي أنه يعوّل كثيراً على الأسلوب، وأن نصوصه تغرق في المفردات والمشتقات. وكان دوستويفسكي يقول إن منافسه أديب بلا أسلوب وعباراته مبسطة. وربما كان كلاهما على حق. لكن لا تبسيط هذا ولا إسهاب ذاك، أنقصا شيئاً من أهمية رحلتهما في أغوار النفس البشرية.
صدرت الترجمة الجديدة لـ«الأخوة كارامازوف» عن دار «نورث بوينت». ويقول النقاد إنها تعطي أسلوبية دوستويفسكي حقها. فإن إليه وإلى أقرانه يعود الفضل في ظهور اللغة الروائية الروسية في القرن التاسع عشر. وثمة إجماع في الدوائر الأدبية على أن الأول لتلك اللغة كان ألكسندر بوشكين، شاعر الروسيا الأكبر.
بالنسبة إلى الروس، لا يزال بوشكين يمثل ما يمثله شكسبير للإنجليزية، وغوته للألمانية. استعار دوستويفسكي من العامية في ترصيع النص والاقتراب من القارئ العادي. وتلاعب أحياناً بالألفاظ، وهو أمر لم يكن شائعاً آنذاك. غير أن فريقاً من النقاد أفاد بأنه كان يفعل ذلك بعفوية تامة لا عن تقصد.
تشير مقدمة الترجمة الحديثة إلى صعوبة اللغة الروسية. وتقدم مثالاً على ذلك الجملة القائلة: «دعني أنهل من الحديث معك». فهي عند مترجم آخر: «دعني أتمتع بالحديث معك»، وعند ثالث: «تذوق الفرح حتى التخمة». اختلف المترجمون أيضاً حول عبارتي «العبادة» و«السجود».
يدعونا ناقد بريطاني إلى ما لا نقدر عليه: من أجل التمتع الحقيقي بقراءة دوستويفسكي، يجب تعلم اللغة الروسية. الحقيقة أن المسألة تستحق العناء لو كانت الدعوة عامةً، أي ليس قراءة دوستويفسكي وحده، بل ذلك السرب الهائل من الروائيين. تشيكوف، وتورغنيف، والعم تولستوي. أو «تولتسويفسكي» معاً!