بقلم - سمير عطا الله
بعد وقت قصير من هزيمة ألمانيا النازية في مايو (أيار) 1945، اكتشف الحلفاء حاوية تحتوي على ملفات سريّة في حديقة أحد كبار الدبلوماسيين الألمان. تضمنت إحدى مجموعات الوثائق تقريراً عن إطلاق النار على أسير حرب سوفياتي في معسكر اعتقال زاكسينهازون في 14 أبريل (نيسان) 1943. وكان الضحية ملازماً مدفعياً في الجيش الأحمر يبلغ من العمر 36 عاماً يُدعى ياكوف دجوغاشفيلي.
لم يكن هناك شيء ملحوظ في وفاة جندي سوفياتي في الأسر النازي. ففي الأشهر الأولى من غزو أدولف هتلر للاتحاد السوفياتي، ما يقدر بنحو 2.8 مليون من أسرى الجيش الأحمر قد استسلموا للمجاعة وتعرضوا للمرض أثناء وجودهم تحت أيدي الألمان. ومع ذلك، كما أوضح تقرير قوات الأمن الخاصة، لم يكن ياكوف دجو غاشفيلي سجيناً عادياً. لقد كان الابن الأكبر لجوزيف فيساريونوفيتش دجو غاشفيلي، المعروف للعالم باسم جوزيف ستالين.
عندما انضم ياكوف إلى والده في موسكو، كان الفتى البالغ 14 عاماً بالكاد يستطيع تحدث الروسية. وأصبح ستالين يعتبر ابنه ضعيفاً ولا يستحق محبته أو احترامه. وعندما قيل له إن ياكوف حاول قتل نفسه بمسدس بسبب علاقة حب غير سعيدة، صاح ستالين بازدراء: «إنه لا يستطيع حتى إطلاق الناس بشكل مستقيم!». النقطة المضيئة الوحيدة في حياة ياكوف كانت زوجة والده الثانية ناديجدا أليلوييفا. واعتبر ياكوف، ناديجدا، التي كانت تكبره بست سنوات فقط، كأنها أخت مخلصة أكثر من كونها زوجة أب. في نوفمبر (تشرين الثاني) 1932، انتحرت ناديجدا. وقال البعض إن السبب هو يأسها من سياسات ستالين القاسية.
مع وفاة ناديجدا، فقد ياكوف حليفاً مهماً، بالإضافة إلى خسارته لصديقة عزيزة. تمكن من الهروب من تنمر ستالين بعد عدة سنوات من خلال الانضمام إلى الجيش الأحمر. وكان لهذه الخطوة عواقب مصيرية. بعد وقت قصير من بدء غزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفياتي، في 22 يونيو (حزيران) 1941، تم القضاء على وحدته المدفعية وتم أسره. وبعد التأكد من هوية ياكوف، أعلن خاطفوه الخبر بسعادة للعالم. لكنه قاوم بإصرار كل محاولاتهم لحمله على التنديد بنظام والده.
في أوائل عام 1943، عرض الألمان مبادلة ياكوف بالمارشال فريدريش باولوس، الذي قبض عليه الجيش الأحمر في ستالينغراد. يُزعم أن ستالين رفض العرض قائلاً: «لن أستبدل مارشالاً بملازم». بحلول هذا الوقت، كان جوغاشفيلي محتجزاً في معسكر اعتقال زاكسنهاوزن خارج برلين في مجمع خاص لـ«الشخصيات البارزة» والفارّين من الحلفاء.
في 14 أبريل، خرج ياكوف من كوخه وكأنه ينوي الانتحار. عندما صرخ به الحارس رفض الامتثال فأطلق النار عليه وأرداه.
توفي جوزيف ستالين في مارس (آذار) 1953، عن عمر يناهز 75 عاماً، ولم يترك وراءه سوى القليل من الأدلة التي تشير إلى أنه حزن على وفاة ابنه الأكبر، بقدر ما حزن على أولئك الذين لقوا حتفهم أثناء حكمه للاتحاد السوفياتي. وكانوا حوالي ثلاثين مليوناً.