بقلم - سمير عطا الله
بدا طبيعياً جداً. بسيط المظهر ولكن في أناقة. قال إنه أتى إليّ طلباً للمساعدة: هو العازب الوحيد وإخوته جميعاً متزوجون ومُعقبون. وهو واثق من أنهم يتآمرون عليه لقتله. لديه نحو 50 عقاراً على الأقل في أهم مناطق بيروت.
قلت معتذراً، حضرتك في حاجة إلى محامٍ، لا إلى صحافي. أنا لا أستطيع مساعدتك في شيء. ولا خبرة لي في القانون. قال في هدوء، بل تستطيع أن تدعم قضيتي. مقال واحد في هذا البلد يزعزع الدولة.
قلت للأسف، أنا لا أكتب لزعزعة أحد. كلمتان من أجل الحقيقة والسلام على من اتبع الهدى. لا معارك ولا وعيد. وأعتقد أن كلمتين عنك لن تزعزع ولن تفي ولن تفيد. ثم كيف لي أن أعرف أنك على حق وأن إخوتك أشرار ومتآمرون؟
«الوثائق»، صرخ في وجهي. «صناديق وثائق. مئات الحجج (الصكوك)». بدأت أضطرب. من أرسل هذا الرجل إليّ؟ هل هو مقلب؟ هل هذا الإنسان حقاً في حاجة إلى إنقاذ، وليس فقط إلى مساعدة؟
عدت أقول له، هذه المرة بحزم وتذمّر «يؤسفني أن أغلق النقاش. قضيتك في وزارة الداخلية أو الأمن العام، أو محكمة الجنايات. أنا كل ما فعلته في هذه الحياة كتابة المقالات، عن القضية الفلسطينية، عن الحرب الباردة، عن أم كلثوم، عن يوسف إدريس، أما عن 50 عقاراً في بيروت وضواحيها فابحث عن سواي».
لم يخرج عن هدوئه لحظة وهو يقول «يا سيدي احسبني القضية الفلسطينية. ألا تخسر عليّ مقالاً لرفع الظلم عني؟ هل تريد أن تتحمل مسؤولية موتي؟ أنت لا تعرف إخوتي ولا تعرف زوجاتهنَّ ولا تعرف مكائدهنَّ. وخصوصاً قل لا تعرف شقيقاتي «ريّا وسكينة».
أخذت الدنيا تدور بي. ثم خطرت لي الحيلة القديمة. قلت للرجل القادم من الغيب «أعدك بأن أدرس الأمر وأفعل ما أستطيع. فقط أعطني القليل من الوقت». صرخ في صوت عال «وقت؟ شيء من الوقت؟ هكذا تتعاملون مع أرواح الناس. ألا تدرك أن الجريمة قد تقع في أي وقت؟ إنهم الآن يتآمرون وحضرتك تطلب المهلة؟ هل هكذا تعاملون الرأي العام؟ هل هكذا ترد على استغاثة قارئ».
هممت بالوقوف فضغط على كتفي. ورغم أن المقهى مليء بالناس شعرت بالخوف. بقي هناك شيء واحد أجربه. مددت يدي إلى جيبي ونقلت منه إلى جيبه ورقة عشرة دولارات. تلمّسها جيداً، ووقف مودعاً: شكراً لتضامنك!