في ظل الشمس 2

في ظل الشمس (2)

في ظل الشمس (2)

 العرب اليوم -

في ظل الشمس 2

بقلم - سمير عطا الله

كانت الشمس ترتفع أعلى فأعلى. والصحراء بلا حراك، تمتص أرضها السخونة النازلة، وتزداد احتراقاً. لقد اقتربت الساعة التي يصبح فيها كل شيء جحيماً: الأرض والسماء ونحن. ويعتقد «ابن قبيلة اليوروبا»، أنه إذا تخلَّى عنه ظله سوف يموت. وها هي كل الظلال تبدأ في الانكماش والتضاؤل والتلاشي. إنه ذلك الوقت من اليوم الذي لا يعود فيه للناس والأشياء ظل وهم موجودون، ومع ذلك غير موجودين، تم اختزالهم إلى بياضٍ متوهج.

اعتقدتُ أن تلك اللحظة قد حانت، لكن فجأة ظهر أمامي مشهدٌ مختلف تماماً. الأفق الهامد، الذي سحقتهُ الحرارة انبثق فجأة إلى الحياة، وأصبح أخضر على مد النظر. أشجار نخيل طويلة ورائعة، بساتين كاملة منها على طول الأفق، تنمو بكثافة، من دون انقطاع. رأيت أيضاً بحيرات - نعم، بحيرات - زرقاء هائلة، ذات أسطح متحركة متموجة. نمت الشجيرات الرائعة هناك أيضاً، مع فروع واسعة الانتشار من اللون الأخضر الطازج والمكثف والعصاري والعميق. كل هذا يتلألأ باستمرار، يتلألأ، ينبض، كما لو كان مكللاً بضباب خفيف، ناعم الحواف وبعيد المنال. وفي كل مكان - هنا، من حولنا، وهناك، في الأفق - ساد صمت مطلق عميق: لم تهب الرياح، ولم يكن لبساتين النخيل طيور.

ناديت على السائق سليم أسأله هل يرى ما أرى. لكنه نظر إلى وجهي المتعرق المليء بالغبار من دون تأثر. ومدّ إليّ قربة المياه الجلديّة أشرب منها. ورحت أنهل حتى شعرت بالدوار، فاستندت إلى الشاحنة لكي لا أسقط. وهدأت قليلاً عندما شعرت بعطشي ينحسر والجنون في داخلي يتلاشى. وعاد المشهد إلى حقيقته. أفقٌ فارغٌ وبلا حياة. لقد انتهى عارض الهلوسة التي أصابتني. وها أنا أرى من جديد المياه المقززة الحارة المليئة بالرمل.

قضينا النصف الثاني من اليوم مستلقين تحت الشاحنة، في ظلها الخافت. في هذا العالم الذي يدور حوله كل شيء بآفاق ملتهبة، كنت أنا وسليم الحياة الوحيدة. تفقدت الأرض في متناول يدي، أقرّب الحجارة، بحثاً عن شيء حي، أي شيء قد يرتعش، يتحرك، ينزلق. تذكرت أنه في مكانٍ ما على الصحراء تعيش خنفساء صغيرة يسميها الطوارق نغوبي. عندما يكون الجو حاراً جداً، وفقاً للأسطورة، يعذب نغوبي العطش، ويائسة للشرب، ولسوء الحظ، لا يوجد ماء في أي مكان، وفقط الرمال الحارقة. لكن الخنفساء تعرف كيف تحمي نفسها، فتحبس الماء على جسدها وتلف نفسها كي لا ينشف الهواء الساخن الماء.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ظل الشمس 2 في ظل الشمس 2



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:53 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية
 العرب اليوم - محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية

GMT 02:54 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

انتشال جثث 39 شهيدًا من غزة بعد أشهر من الحرب

GMT 03:50 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الاتحاد الأوروبي يحاول تجنب حرب تجارية مع أميركا

GMT 09:30 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

ماذا ينتظر العرب؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab