«نيترات أبو زياد»

«نيترات أبو زياد»

«نيترات أبو زياد»

 العرب اليوم -

«نيترات أبو زياد»

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كان لي ثلاثة أعمام، رحمهم الله. اثنان منهم عثرا على وظيفة في بيروت، واضطر الثالث إلى البقاء في القرية بسبب إعاقة في قدمه. وفي ذلك العالم الصغير، وجد أن سبيله الوحيد إلى الرزق أن يفتح دكاناً في ساحة القرية، ففعل. وعلَّق في صدر «المحل» لافتة «القناعة كنز لا يفنى».

غير أن القناعة تعرضت للشك عندما تزوج ورزق مولوداً بعد الآخر على عادة أهل القرى في تقييم الوقت. وكان عليه أن يفكّر في توسيع أعماله، بينما بقي حجم القرية وساحتها على ما هو. وذات يوم أفاقت الضيعة لتجد فوق مدخل الدكان لافتة خشبية كبيرة كتب عليها: «نيترات أبو زياد».

وعرف الجميع طبعاً من هو أبو زياد، لكن أحداً لم يعرف ما هي «النيترات». ورفع الأمر إلى العم العزيز، ولم يكن ذلك سهلاً باعتباره تدخلاً في شؤونه. وبعد المداولة أضاف إلى اللافتة، لافتة أخرى شارحة: سماد كيماوي!

كان اكتشاف الكيماوي في أهمية الثورة الصناعية في بريطانيا. وأصبح عمي «وكيلاً حصرياً» لنيترات السماد التشيلي. تقبل الجميع السماد السحري من دون الحاجة إلى شرح سرّه. وعندما كَبرتُ وبدأتُ أقرأ الأدب اللاتيني، عرفت من الروايات أن حروباً طاحنة قامت بين ثلاث دول على الأقل بسبب ثروة النيترات. وهذه، أكرمك الله، مكدسات عمرها آلاف السنين من فضلات البجع والطيور التي تعيش على السمك. وبسبب غنى السمك بالفيتامينات، هكذا أيضاً فضلاته. ومع الوقت تحوّلت صناعة النيترات إلى تجارة عالمية بلغت ساحة الضيعة، وواردات عمي «أبو زياد» رحمه الله، الذي هزم البطالة والركود ومفهوم القناعة مرة واحدة.

تفرّق أبناء أبو زياد في الاغتراب، وأغلقت دكانه من تلقاء نفسها، وغاب هو، وبقيت اليافطة الخشبية العتيقة معلقة، بهتت ألوانها وتناثرت أطرافها ولم تعد كلمة نيترات مقروءة لأحد.

في الرابع من أغسطس (آب) 2021 سمع اللبنانيون صوت انفجار أقوى من كل ما سمعوه في كل حروبهم. ظنوا أنها هذه المرة الحرب العالمية الثالثة. لكن سرعان ما قيل لهم إنها «نيترات» بجع على سمك على وطاويط على فقمة مشحونة إلى مرفأ بيروت لأسباب زراعية! نحو 200 قتيل و6000 جريح و100 ألف مشرد. أي تقريباً ضحايا حروب النيترات بين التشيلي وبوليفيا والبيرو أواخر القرن التاسع عشر.

لن يعرف أحد شيئاً عن نيترات بيروت. أكثر مما عرفنا ذات يوم عن «نيترات أبو زياد» و«القناعة كنز لا يفنى». والصمت «زين» والسكوت «سلامة»!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نيترات أبو زياد» «نيترات أبو زياد»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:44 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية
 العرب اليوم - السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية

GMT 12:53 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية
 العرب اليوم - محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية

GMT 02:54 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

انتشال جثث 39 شهيدًا من غزة بعد أشهر من الحرب

GMT 03:50 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الاتحاد الأوروبي يحاول تجنب حرب تجارية مع أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab