بقلم - سمير عطا الله
ما الذي يتغيّر في السعودية؟ أمضيت شهرين في جدة، وعشت حياتها اليومية مع الأصدقاء والزملاء، وتعرفت إلى أناس لا أعرفهم، وذهبت إلى بعض المتاجر والمكتبات وقمت بزيارة الدكتور غازي الحبيب مرّات عدة في المستشفى، ووصلت إلى/ وغادرت من أحدث مطار في العالم، وذهبت إلى أبحر حيث سمعت من بعيد صوت موسيقى وغناء من أحد المطاعم، ومررت بالضواحي الجديدة، ولمحت عن بُعد، وعن قرب، الأبراج التي تعلن أن البلاد صارت رأسية أيضاً وإلى درجة مثيرة، وطبعاً دخلت عدداً من المطاعم، منها ما تملكه وتديره سيدات من عائلة واحدة، ومنها ما تستقبلك فيه سيدة بعباءة وابتسامة.
لم يعد أمراً مثيراً للاستغراب أن تقول إنك قادم من بيروت إلى جدة من أجل الفحوص الطبية الإلزامية. عادي، كما يقولون هنا. وخلال ما عاينت في بلاد الله لم أرَ طبيباً أو «ديكتاتوراً» في دقة الدكتور غازي. والأطباء عادة أنت «تراجعهم»، إلا هو، فيطاردك ويتأكد في الصباح والمساء أنك نفذت الأوامر وحفظت الواجبات.
في نهاية أي يوم عادي، يعيشه أي إنسان من سكان «عروس البحر الأحمر» يخطر لك أن تتساءل: «ماذا تغير في السعودية؟»، وفي عودة متأنية إلى الماضي، فالجواب هو: السعودية «المتغير الأساسي ليس ناطحات السحاب، وإيقاع الحياة، ومستوى المعيشة، بل الحيوية التي يتخذها شكل الحياة ومناخها الاجتماعي الحديث». وما من أحد إلا ويسألك «كيف ترى الانفتاح؟»، متوقعاً أن يكون مثل رأيه. بهدوء شديد، ولكن في سرعة كاملة تتبع المدينة إيقاعها الجديد، أو تتواءم حركة الحياة في الشكل والجوهر. تلحظ بروز شخصية سعودية جديدة في المطار وفي المستشفى وفي المكتبة والمخزن. ثمة «لغة» جديدة أهم ما فيها أنها عادية. لغة يومية بسيطة مألوفة في جميع العالم. نقاش عقلي عملي واقعي حول التاريخ. صور وإضاءات وحشود من الرياض والعُلا وسباقات عالمية في الدرعية. والإطار واحد. والجوهر واحد والشرطي يبتسم. وشرطي المطار يبتسم ويرحب. والشرطية والممرضة التي تدرّبت على أن العبوس الشديد قد يساء فهمه ويهبط ضغط المريض ويصبح مريضاً مرتين. وتزدحم المستشفيات بالمراجعين والمراجعات والكبار والصغار والأطفال، بلا صوت يعلو وبلا «وسائط» وبلا تململ وبلا تجاوزات. صورة السعودية الجديدة هي في المستشفى. عند الأطباء السعوديين والطبيبات السعوديات، وخصوصاً عند «المريض» و«المريضة» السعودية. إنهما الصورة الجديدة للتعامل مع القانون والحقوق والأصول والمساواة.
اتخذتُ المستشفى مثالاً لأنه المكان الذي يتساوى فيه الإنسان طوعاً. وتختلط فيه الأجناس والأعمار والطباع. المتغير الأساسي هو الانسجام الهائل مع قانون الحياة. والانتظام في مدارها الطبيعي. والتزام حيويتها وحركتها. ابتسم. أنت في السعودية.