مفكرة القرية قال لهم غداً يوم ماطر

مفكرة القرية: قال لهم غداً يوم ماطر

مفكرة القرية: قال لهم غداً يوم ماطر

 العرب اليوم -

مفكرة القرية قال لهم غداً يوم ماطر

سمير عطا الله
بقلم :سمير عطا الله

مرت مواعيده ولم يأت بعد. كثر البرد، وتنوعت سرعة الرياح، ومرت أسراب الطيور المهاجرة، وظهرت علاماته كلها، وهو يعاند ولا يطل. شتاء بلا مطر. مضى الخريف بكل أوراقه الذابلة، وكثر عواء الثعالب الجائعة تبكي حالها وحال صغارها في الوديان. ولا يطل. ولا هو يحترم طقوسه ودوره بين الفصول. وتشتعل المواقد بلا أنس وصوت زخ المياه على النوافذ. وأين صوت السواقي تغني على هواها نشيد المياه. والنساء تتمتم في صوت خافت أدعية حانية، لعله يتحنن هو أيضاً.
لا يعرف المطر كم تحبه الأرض وتتحرق إليه. وكم يهفو إليه أرباب العائلات والفلاحون والزراعون وتجار المواسم. تأخر السيد المطر هذه السنة. قفل الخريف بعيداً، ولم يعقبه امتداداه.
وجاء برد الشتاء، ومرت في سمائنا غيوم سريعة حائرة لا تعرف أين سترمي حمولتها. الجميع هنا ينتظرون. الحاصدون وزارعو المواسم المقبلة، وقطافو الزيتون، والينابيع التي تخشى أن تجف ضروعها، وتجار موسم الريحان، وبائعو الحطب.
والشتاء لا يطل. ولمرة نادرة لا تفرح القرية بالقمر صافياً من دون غيوم ملبدة تتسابق من حوله حاجبة بهجته الوديعة والمسلية. ويسود قلق على التلال والروابي والأودية والهضاب. يتساءل القرويون في صوت خافت وهم يتبادلون التحيات، هل هو غضب الله؟ فإذا ما تأخر الهطول كثيراً سوف يكون العقاب قاسياً: لا مياه من السماء تعني لا مياه من الأرض. ولا وفرة. ولا رعي. وسوف يردد الرعيان المواويل اليائسة لحبيباتهم اللواتي في انتظار المحاصيل ومواعيد الأعراس في كل الحارات تقريباً: الحارة الفوقا، وحارة السهل، وحارة المطل، والحارات الصغيرة التي أهملت بلا أسماء، كأنها مجرد فواصل في نص جميل.
لكن المفاجآت لا تتأخر طويلاً. وها هي تلمع فوق جميع الأمكنة. برق متواتر ورعود مرعبة مثل سيوف الغاضبين. وليعطِ المعلم «رفول» ما شاء من الدروس، وكيف تحيط المياه بالأرض، وكيف تسخنها أشعة الشمس في البحار والبحيرات، وترفعها ثم تتركها تتساقط ثلجاً أو بَرَداً أو مياهاً. دائماً سابح في العلم هذا المعلم رفول. يلف الدنيا بمخيلته كما يلف تبغه بالورق الناعم. ولا يعتب على شيء أو على أحد. لكنه يفقد شيئاً من سكينته إذا ما تأخر الشتاء موعداً بعد آخر. ولا يتوقف عن إعطاء الدروس المعقدة التي تزيد من هيبته أمام الصغار وأهلهم. ويتحدث عن شيء هائل يدعى المحيطات ورطوبة الهواء، ويسمي أسماء صعبة عن الرطوبة والبوتاس والسوديوم، وسلسلة طويلة من الأسماء المملة، فيغفوا التلاميذ مللاً وضجراً في مقاعدهم، إلى أن يوقظهم رعد عظيم فيستيقظون فوراً على صوت رفول يقول في فرح علماء الطقس، «ألم أقل لكم أمس، غداً يوم ماطر في كل النواحي»! ويضحك منه التلاميذ ويتغامزون. ويشعر بذلك لكنه يتجاهل طفولتهم. ويترك كل واحد منهم لمخيلاته البعيدة. واحد يقود سيارة، وواحد طائرة، وواحد يحلم بشاحنة كي يساعد والده في شحن الحجارة. ويقطع أحلامهم هطول هاطل. ويستبقون العودة إلى المنازل لرؤية الفرح على وجوه العائلة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية قال لهم غداً يوم ماطر مفكرة القرية قال لهم غداً يوم ماطر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab