بقلم - سمير عطا الله
تؤرخ بداية ونهاية الحرب العالمية الثانية بين أول أيلول الفاتح من سبتمبر 1939، والثاني منه عام 1945، لكن تأريخ النهاية مجرد رقم رمزي يسجل وقف العمليات العسكرية بن المتقاتلين. أما الحروب عملياً فلا نهاية لها. فقد ظل الألماني منبوذاً في أوروبا وأميركا لسنوات طويلة. وكذلك الياباني الذي شن الحروب على الصين وكوريا، ولاحقاً على أميركا. وتركت الثانية أعمق جروحها في روسيا. ومن أجل أن يثير حفيظة الروس اتهم الرئيس بوتين الأوكرانيين بالنازية بعد 70 عاماً بسبب ما تعني له من ذكريات.
عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، لم تكن في الحقيقة قد انتهت منذ قرون. ففي البيت الواحد يكون أحياناً الأب أوكرانياً والأم روسية، والأبناء خليطاً، لكن في حالات كثيرة يحدث انقسام ويصر كل على التحدث «بلغته»، وهما الآن لغتان متقاتلتان. وكما في كل الحروب عبر التاريخ، تزدهر الأساطير وحكاية البطولات الخارقة. وقد انتشرت في أوكرانيا الآن أسطورة عن طيار أسقط عدداً لا يُحصى من الطائرات الروسية في سماء كييف، والأرجح أن لا وجود للرجل.
قبل أيام احتفلت الجزائر وفرنسا بمرور 60 عاماً على اتفاقات إيفيان التي أنهت الحرب بين الفريقين. لكن قبل أشهر قليلة قام جدل مرير بينهما حول الحرب اشترك فيه رئيسا البلدين، ثم تراجع إيمانويل ماكرون خوفاً من اشتعال البراكين بعد 60 عاماً.
هكذا بقيت عقوداً طويلة حرب الشمال والجنوب في أميركا. وكذلك الشمال والجنوب في آيرلندا. والبروتستانت والكاثوليك في فرنسا. الحروب لا تنتهي. والحرب الروسية الأوكرانية الآن توحي بأن لا نهاية لها. القرى والمدن والطرقات والموانئ مليئة بالدبابات والآليات المحترقة. وسوف تباع كلها بعد حين في «سوق الحديد». وفي ليبيا حيث جرت أعنف معارك الحرب العالمية، ظلت مواسير المدافع متروكة في الصحراء إلى سنوات قليلة مضت.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لا يبقى أحد خارج الحرب. وإذا ما انتهت وعندما تنتهي، سوف تكون كميات التحريض المتبادل قد حفرت جراحاً لا تندمل وعنفاً لا يُنسى. فقد طال النزاع، كما في كل الحروب، مصادر الرزق والاقتصاد والمال. ووقعت لأوكرانيا خسائر كبرى، خصوصاً في الأغذية، لكن الضرر نفسه لحق بالمستهلك الروسي. إضافة إلى أن الروسي العادي تكبد خسائر في مستواه المعيشي بسبب العقوبات واهتزاز الروبل وكساد الحركة الاقتصادية الذي يتأتى عن الحروب في كل مكان.
تتشابه هنا آثار الحروب كأنها تتناسخ. من يقرأ الآن عن تجارة السوق السوداء وسماسرة الهروب واللجوء واستغلال الفقراء والمحتاجين، يخيل إليه أنه يتابع الحرب الأهلية اللبنانية بحذافيرها. خصوصاً كونها لم تنتهِ إلى اليوم، وخصوصاً لغة الغطرسة والتحقير.