عسل منفلوط

عسل منفلوط

عسل منفلوط

 العرب اليوم -

عسل منفلوط

بقلم - سمير عطا الله

كان عباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي، مدرستين مختلفتين. أو بالأحرى كان كل منهما صاحبَ مدرسة مناقضة للأخرى. فالمنفلوطي كان ميَّالاً إلى الحزن والكآبة والتأوّهات، ويُلحظ ذلك من عناوين الكتب التي وضعها، أو ترجمها. مثل «العبرات»، أو «ماجدولين - تحت ظلال الزيزفون»، الذي ظلَّ قرّاؤه ينوحون على نواحها حتى انقضاء النصف الأول من القرن العشرين. أما العقّاد، ذلك البحر من الثقافة والقراءات والتعمّق في التيارات الفكرية، فقد كان متأثراً بالفكر الألماني ونزعة الإنسان المتفوق، وتحديداً من قرّاء نيتشه صاحب المطالعة الشهيرة «هكذا تكلم زرادشت».
وفي مرحلة مبكرة من حياته، دخل العقّاد سلك التعليم بحثاً عن دخل إضافي. واكتشف، مرتعداً أن القاعدة الأولى في المنهج الدراسي تفرض على طلاب الإنشاء وصية واحدة؛ اقرأ كتب المنفلوطي، واكتب على مِنواله. يقول: «وكانت موضوعات الإنشاء كلها تنتهي بالبكاء على بطل من الأبطال المألوفين في النظرات والعبرات. وهم كلهم أناس يبكون ويُبكى عليهم، لأنهم مخذولون منكسرون أو مُضيّعون في ذمم الآلام وقرناء السوء، وقِلة منهم مسؤول عن خيبته، أو قادر على إنصاف نفسه والاقتصاص ممن يجني عليه».
حاول العقّاد أن يدعو تلامذته إلى تغيير هذا النمط البُكائي، فكانوا يحاولون، لكنهم يعودون سريعاً إلى المنفلوطيات وذرف الدموع. وآهٍ، ثم آهٍ، ثم آهٍ. وخطر للعقّاد أن يستعين على غريمه الأدبي بأسلوب اختباري، أو مَخبري. فذهب إلى طبّاخ المدرسة، وسأله إن كان هناك نوع من البصل أكثر حدة من بصل الصعيد. فاستنكر الطباخ مجرد السؤال قائلاً إنه لا يوجد في الأرض قوة قادرة على تحريك الدموع في الأحداق مثل البصل الصعيدي الأصيل. عندها، طلب العقاد من صاحبنا أن يوزع البصل النيء على التلامذة من أجل إقناعهم بأن في البصل قوة لتحريك الدموع في الأحداق أكثر من القدرة المنفلوطية.
كان الرجلان يلتقيان من حين إلى آخر في إحدى مكتبات القاهرة. ووفقاً للعقّاد فقد كانت الأحاديث بينهما تقتصر على العموميات وأحوال الطقس وأحوال الناس وأخبار مصر، من دون التلميح إلى أي نقاش ثقافي أو أدبي. ويبدو أن قصة البصل المبكي وصلت إلى المنفلوطي، لكنه آثر ألّا يفاتح العقاد بالأمر. بل كَتَم في نفسه شعوره بالإهانة؛ خصوصاً أن شهادة العقّاد بالأدب والأدباء كانت من النوع الذي يحيي أو يميت.
وذات مرة التقى عملاقا الأدب المصري في المكتبة كالمعتاد. وقد حاول العقّاد التهرب، لكن المنفلوط ألقى عليه التحية من بعيد. ودخل الاثنان كالعادة في حوار حول كل الأشياء إلا القضية التي تُشغلهما وتُشغل مصر الأدبية معهما. وقبل أن ينتهي اللقاء في «المكتبة التجارية» وجّه المنفلوطي دعوة صادقة لصاحبه إلى الغداء باللهجة البلدية المعروفة عنه. فاعتذر العقّاد قائلاً إنه لا يريد أن يكلف الداعي الوقت والمال. ويُكمل العقّاد الرواية قائلاً:
«فعاد يقول بتلك اللهجة البلدية أيضاً؛ الحكاية لا تستحق... مش قد المقام... إنها أرخص من البصل». فأجابه العقاد: «ولعله أحلى من العسل، كما يُنادى عليه عندكم في منفلوط».
* تصحيح... ورد خطأ في مقال أمس أن القوات السورية انسحبت من أول عاصمة (بيروت) عربية احتلتها، والصحيح طبعاً القوات الإسرائيلية.

arabstoday

GMT 03:09 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

المناظرة والديمقراطية الأميركية!

GMT 03:06 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

«أوروبا العظيمة»... شعار مَجَري بنكهة أميركية

GMT 03:03 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

GMT 02:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 02:57 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العزبي قتلته (عيون بهية)!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عسل منفلوط عسل منفلوط



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:44 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر
 العرب اليوم - قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 23:10 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

داليا البحيري تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - داليا البحيري تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 18:39 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

دواء للاكتئاب يقلل احتمالات زيادة الوزن

GMT 18:00 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تشيلسي يعلن رسميًا ضم مارك جويو مهاجم برشلونة

GMT 21:12 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

مطبات جوية شديدة تصيب 30 راكباً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab