بقلم - سمير عطا الله
كان سعيد أبو بكر من أشهر ممثلي المسرح في الستينات. ولم تكن أهميته في موهبته وحدها، فقد كانت تكاوينه تساعده على إضحاك الناس بلا انقطاع. كان صغير القامة، صغير الرأس، واسع العينين، سوادهما ضخم وبياضهما شاسع. ما إن يتحرك على المسرح، حتى ينقلب الحضور. وغالباً كان يفسد أدوار الممثلين الذين معه عندما لا يتمالكون أنفسهم من الضحك.
أكثر أدواره إضحاكاً كان دور المحامي في «القضية». وتدور المسرحية حول محامٍ فاشل لم توكل إليه قضية واحدة، إلى أن تشاجر اثنان من جيرانه فأوكله أحدهما. غير أن الجارين ما لبثا أن تصالحا، فقرر المدعي سحب دعواه. مستحيل. أصر المحامي على المحاكمة، وجاء حاملاً ملفاً فيه ورقة واحدة مكتوباً عليها سطر واحد، وراح يلقي مطالعته.
وراح الحاضرون يلقون على ظهورهم من الضحك، فيما يزداد أداؤه إبداعاً يقطع الأنفاس. ظلت صورة سعيد أبو بكر مرسومة في ذاكرتي وعيناه مطبوعتان فيها. لا تحضر إلا وأضحك. ولا أذهب إلى حضور مسرحية فكاهية إلا تقفز صورته أمامي، ملوحاً بالملف، منادياً على هيئة المحكمة ورئيسها: سيدي القاضي الكريم.
لا شيء مضحكاً في «معركة» الرئاسة اللبنانية. بالعكس. ووفقاً للقانون يحق لأي لبناني نظيف السجل العدلي أن يرشح نفسه لمنصب. واعتاد عدد غير قليل من المجهولين أن يطلوا في انتخابات الرئاسة كمرشحين، وبعد الانتخابات يعود كل منهم إلى منزله، ومعه لقب «المرشح الرئاسي».
معركة هذا النوع من المرشحين، ليس فيها أذى لأحد. وعندما كنت أغطي الانتخابات الفرنسية، كنت أبحث عن هذا النوع من المسليات بين «مرشحي» الضفة اليسرى، من دون الاكتفاء بمقابلة مع فاليري جيسكار ديستان مثلاً. لكن أين يمكن البحث عن اللطائف في معركة الرئاسة اللبنانية الآن؟ أو عن ابتسامة؟ أو عن مرشح غير متجهم ومكفهر من شدة الرصانة والتفكير في مصير البلد؟
لن تصدقوا. لقد عثرت عليه. يوريكا، كما هتف عالم الإغريق، أرخميدس: وجدتها. وجدتها. في أثناء مروري في منطقة الدورة، طالعتني لافتة كتب عليها بخط ضخم «المرشح الرئاسي فلان». وبسبب السرعة لم يتسن لي قراءة الاسم. لكن الوجه مألوف. بل مألوف جداً. أين يا ربي رأيت هذا الوجه من قبل؟ ثم هتفت فرحاً مع أرخميدس، يوريكا. إنه وجه سعيد أبو بكر الذي من طنطا. سبحانه - يخلق من الشبه أربعين.