بقلم : سمير عطا الله
في ذروة الثورة الفلسطينية التي أشعلها ياسر عرفات ورفاقه في حركة «فتح»، ملأت المطبوعات والدراسات والكتب المتعلقة بها كل حيز ممكن في المكتبات والمعارض والمؤتمرات العربية. ثم انخفضت هذه الوتيرة شيئاً فشيئاً بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وخروج منظمة التحرير من أهم مركز إعلامي عربي في جوار فلسطين إلى جوار الجامعة العربية المبعدة هي أيضاً في تونس.
شيئاً فشيئاً، عاد الشتات الفلسطيني إلى الأمة. وتراجع الوهج مع فشل «أوسلو». وعندما غادر أبو عمار إلى فرنسا ناحلاً يرفع في الوداع يداً مرتجفة، أدرك كثيرون أنه آخذ معه الكثير من التاريخ والأمل. بدأ الوضع الجديد ينعكس خصوصاً في الإعلام، ساحة أبو عمار الأولى. في الصحف وفي التلفزيون والكتب ومعارضها. لكن الغياب لم يكن كاملاً. وفي معرض الشارقة أطلت «القضية» بوهج قليل وعميق معاً.
حيثما تجد توقيع «الخالدي» تراه مرادفاً للعلَم، أي يكون صاحب الاسم الأول من العائلة. وفي بدايات مؤسسة الدراسات الفلسطينية عملت في الترجمة مع الدكتور وليد الخالدي. ثم «تطوعت» مع محمود درويش، وكنت، وما أزال، على اقتناع كلي، بأن العلم لا يفله إلا العلم، تماماً كما لا يفل الحديد إلا الحديد. ولذلك، سجل وليد الخالدي وإدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد ومؤسسات عبد المحسن القطان الكبرى، وليلى شهيد، وهالة سلام مقصود، سجلوا خرقاً عظيماً في الإعلام الغربي.
حل رشيد الخالدي محل إدوارد سعيد في كرسي الأدب الإنجليزي المقارن في جامعة كولومبيا. وهذا هو الشبه الوحيد. فالخالدي رجل أكاديمي غير عاصف، هادئ الحياة الاجتماعية، ولا يعاني إطلاقاً من أي نقص في التواضع. كتابه الجديد «حرب المائة عام على فلسطين» (الدار العربية للعلوم – ناشرون) يعوض في عمقه البحثي ومنظوره التاريخي ذلك الخفض الفادح في الإصدارات المتعلقة بفلسطين.
يقدم المؤلف شخصيات عدة من العائلة المقدسية بينها الأكثر إثارة للجدل في مرحلة من المراحل، يوسف ضياء الدين باشا الخالدي (القرن التاسع عشر). ويريد أن يوضح أن أهل العائلة كانوا من البورجوازية المتعلمة التي أدركت مبكراً مرامي الحركة الصهيونية، وأدركت كذلك أنها تواجه عقلاً أوروبياً في مواجهة الحالة البائسة التي يتخبط فيها العرب.
عرفت أميركا الأكاديمية نوعين من العرب: المعلمين العمالقة مثل فيليب حتي، وألبرت حوراني، ووليد ورشيد الخالدي، وإدوارد سعيد. أما النوع الثاني فكان من الدببة.
إلى اللقاء...