بقلم:سمير عطا الله
ثمة أشياء لم تكن متخيلة قبل اليوم، بالنسبة إلى من يتابع السياسة الأميركية منذ أكثر من نصف قرن. لم يكن أحد يتخيَّل أن المرشحة للرئاسة الأميركية سوف تقاطع جلسة للكونغرس خطيبها الضيف رئيس وزراء إسرائيل. بصرف النظر عمن يكون، لم يكن أحد في أميركا يتخيل أن 80 عضواً في الكونغرس سوف يقاطعون الجلسة هم أيضاً. ولا 18. ولا 8.
أهم تحوُّل سياسي وإعلامي واجتماعي في تاريخ العلاقة الأميركية - الإسرائيلية منذ أن أعلن هاري ترومان الاعتراف بدولة إسرائيل، بعد 16 دقيقة من إعلانها، هو ما حدث في واشنطن الأربعاء: داخل الكونغرس وخارجه، حيث جاء المتظاهرون من أنحاء البلاد للاعتراض على زيارة وخطاب نتنياهو. قبل حرب غزة لم يكن الأميركي، خصوصاً السياسي، يجرؤ على تسجيل اسمه في طلب السماح بالتظاهر.
لا شك لحظة في أن المشهد السياسي في واشنطن يخيف أركان الحركة اليهودية في العالم أكثر من كل ما حدث حتى الآن: صحف أميركا وسياسيوها، وإعلامها، وبعض أبرز سياسييها، يخرجون على الطاعة العمياء، لمواقف وقرارات وسياسات إسرائيل. عندما كانت ترد في واشنطن تعابير مثل «النكسة» و«الهزيمة» و«اللوبي»، كان مفروغاً منه أن المقصود هو العرب، انقلبت واشنطن تضعضع «الأيباك». جاء نتنياهو يعلن «الوعد بالنصر» وليس بإعلان نفسه. وبعد حوالي العام لا يزال يطلب المساعدة في الحرب على «حماس».
نقل نتنياهو صوت العرب بنفسه إلى العاصمة التي كانت ترفض مجرد الإصغاء لهذا الصوت، أو الاعتراف بوجوده. بداية حرب غزة، ذهب جو بايدن إلى تل أبيب وعاد في يوم واحد، معلناً دعماً لا سابق له، والآن ترفض مرشحته للرئاسة، ونائبته، أن تكون بين مستمعي الرجل الذي أصبح مثيراً للشك والجدل والمخاوف. بكلام آخر أصبح عبئاً على أكبر علاقة متشابكة جوهرياً بين كبرى دول العالم وبين حليفتها الأولى.
تكفي المقارنة بين مناخ واشنطن أثناء الزيارات الثلاث السابقة التي قام بها نتنياهو وبين هذه، لكي نعرف مدى التضرر الذي وقع. بل لم يكن من الضروري انتظار وصوله. ففي الأسابيع الأخيرة كانت الصحافة الأميركية تغطي أخبار غزة مثل أي صحافة، غير قادرة على تجاهل الحقائق... والضمير.