بقلم:سمير عطا الله
لم يخفف الأفيون من أوجاعه إلا قليلاً، ولذلك توسل إلى طبيبه أن يأتيه بالمسدس لكي يطلق على نفسه رصاصة الرحمة. لكن من هو الطبيب الذي يمكن أن يدخل التاريخ، على أنه الرجل الذي ساعد شاعر روسيا على الانتحار؟
لقد مضى يومان الآن (20 فبراير/شباط 1837) وشاعر روسيا ألكسندر بوشكين ينازع ساعات الاحتضار. وروسيا بأجمعها تدرك أن لا أمل. لقد كانت قاضيةً الرصاصة التي أطلقها عليه في المبارزة نسيبه الفرنسي جورج دانتس. كان بوشكين يدافع عن شرفه. فقد بلغه ما بلغ المدينة كلها، وهو أن زوجته نتاليا تخونه مع الرجل. نتاليا أو الموت. ذهب إلى المبارزة بعدما كتب وصيته، تاركاً كل ما يملك لزوجته وأبنائه الأربعة، وكأنه كان يدرك أنه سوف يكون الخاسر في مبارزة المسدسات.
هكذا فقدت روسيا أب الشعر ونجم الأدب. وأين تعلم ساحر اللغة لغته الأم؟ كانت الفرنسية لغة القصور والنبلاء حيث نشأ بوشكين. ولذلك تعلم اللغة من الخدم والموظفين. وسوف يصبح سيدها وصاحب المعلقات. بل سوف يتحول أسلوبه إلى مدرسة جديدة يحاول تقيدها الشعراء.
كان بوشكين في التاسعة والثلاثين يوم وفاته. وقد أمر القيصر نقولا الأول لأرملته بمعاش تقاعدي مدى الحياة، كما أمر بنفي العاشق الفرنسي، وتسديد كل الديون التي أغرق بوشكين نفسه فيها.
عاش بوشكين جزءاً من حياته معارضاً ليبرالياً، واعتقل غير مرة. ثم نفي إلى بلاد القوقاز حيث تعرَّف إلى الإسلام، وكتب الكثير في معاني القرآن. وسوف يصبح كبير شعراء الروسية من كبار الدعاة للإسلام والمبشرين به، تماماً مثل غوته، كبير شعراء الألمانية، أو مثل فيكتور هيغو، شاعر الفرنسية، الذي ورد ذكر القرآن الكريم في أعماله مائة مرة.
تلك مرحلة ازدهرت خلالها الآداب وظهر خلالها الكثير من العمالقة، وتلاقت فيها الحضارات بعكس ما حدث لاحقاً من ظواهر الصراع التي لا تزال تنشط إلى الآن. ويدعو الكثيرون من المستعربين إلى الاستعانة بآثار أولئك العمالقة في مواجهة عتاة الإسلاموفوبيا، الذين يغذون موجات التطرف في أوروبا، في البلدان الناطقة باللغات الثلاث. أسوأ ما يحدث للحضارات الوقوع في همجية المتطرفين. يميناً أو يساراً.