بقلم : سمير عطا الله
كان ألكسندر بوشكين أعظم شعراء الروسية على مدى العصور، كما كان ليو تولستوي أعظم كتّابها. ولست أدري لماذا أهمل العرب، على نحوٍ لا تفسير له، أن بوشكين كتب في الرسول العربي (صلَّى الله عليه وسلّم) أجمل وأهم كنوز اللغة الروسية. وأما تولستوي فقد كتب في النبي (صلى الله عليه وسلم) أعمق معاني الإسلام، مبحراً في القرآن مثل بوشكين. ولم يكن الانبهار بالرسول والقرآن وقفاً على هذين العملاقين في اللغة الروسية، وإنما هناك عدد كبير من الأدباء الذين حملوا راية الإسلام، وتركوا آثاراً «أدبية كثيرة سواء في شرح الكتاب، أو في تدوين السيرة النبوية».
حاول نقاد كثيرون وباحثون من جميع الثقافات تحديد الأسباب التي جعلت بوشكين مأخوذاً بالقرآن إلى هذا الحد. وقال بعضهم إن الأسباب الأولى كون بوشكين من أصول إسلامية أفريقية. فقد كان جده إبراهيم هنيبال مسلماً. وقال الناقد جوكوفسكي إن تأثر بوشكين يعود إلى مشاعر ذاتية، وبدا في شعره أنه يحاول العودة إلى جذوره الدينية، التي لم يكن الناس يعرفون عنها الكثير. ويقول الناقد استراخوف إن السبب الأول والوحيد هو القرآن نفسه، ولا علاقة للأصول والجذور في الأمر. ولو لم يكن بوشكين أفريقي الدماء لكان كتب القصائد نفسها. وهو في أي حال وقف عند الحافة في إشهار إسلامه. ولعل ما حال دون ذلك الظروف الاجتماعية، وكونه كان مقرباً من القيصر.
يعدد الدكتور مكارم الغمري (عالم المعرفة)، سلسلة من أعلام الروس الذين تأثروا بالتراث العربي والإسلامي معاً، «مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي». وإضافة إلى متعة القراءة، يشكل الكتاب مرجعاً أدبياً وتاريخياً نادراً جداً في اللغة العربية. من بوشكين ينتقل إلى تولستوي، الذي يقول عنه إنه شعر بالتماهي النفسي مع سماحة الإسلام. وكان مدخله إلى الدراسات الإسلامية قوله: «لم يكن محمد يعتبر نفسه نبي الله الوحيد، بل كان يعترف بموسى والمسيح أنبياء». ويستشهد بالآية القرآنية: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم».
وفي ضوء ذلك دعا تولستوي إلى التعايش السلمي بين الشعوب والأديان في كل كتاباته، وفي رواية له بعنوان «سورات»، يحكي قصة مقهى في مدينة سورات، يلتقي فيه العابرون والمسافرون من المسافات البعيدة، وينتمي هؤلاء إلى جنسيات وأعراق مختلفة. ويقوم جدل وحوار بينهم، ومنها موضوع معاملة النساء، فيحسم أحدهم النقاش بالأحاديث الكريمة عن نظرة الإسلام إلى المرأة.
مَن كان من العملاقين أقرب إلى الإسلام؟ لدي جواب قد يبدو تبسيطياً أو ساذجاً، لكنه ليس كذلك: بوشكين كان أقرب بشعره، وتولستوي كان أقرب بفكره.