بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني
على خريطة المنطقة، التنظيمات المسلحة أو الفصائل أو الميليشيات، سمّها ما شئت، تمتلك ترسانات من خليط متنوع من قطع السلاح، بغاية الكفاح؛ الردع أو الدفاع. لكن لا يجوز بأي حال وضع هذه التنظيمات على الجانب نفسه؛ لأن لكل منها دوافعه، ومبررات نضاله، وقيمه السياسية وقواعده الأخلاقية. لكن بالنهاية قيمة السلاح هي في تحقيق الأهداف المرصودة، أي الحصول على مكتسبات.
هذا استعراض سريع لأشهر التنظيمات التي مثّل سلاحها نقاط تحوّل وتغيّرات في استقرار دول المنطقة، وشكّل تحديات صعبة للحكومات.
«حزب الله» اللبناني شيّع مؤخراً زعيمه حسن نصر الله الذي استهدفته إسرائيل بصواريخ تخترق طبقات الأرض. إذ قضت إسرائيل على معنويات الحزب منذ حادثة «البيجر» التي شاهدها العالم وهي تنفجر في وجوه وأجساد عناصر الحزب بتفعيل من دارة كهربائية إسرائيلية. الحزب انتهى معنوياً ومادياً، رغم المحاولات والآمال التي يحاول ما تبقى من عناصره بثها في نفوس مريديه. «حزب الله» لم يترك سلاحه باختياره بل انتُزع منه انتزاعاً، وهو الآن في حداد طويل وعين إسرائيل لا تنفك تراقبه.
حركة «حماس» تنظيم فلسطيني هدفه مقاومة المحتل،. الاختلاف في الرؤى بين قياداته في غزة وخارجها أضعف وحدة القرار وجعله مفككاً، وكل قائد يحاول أن يحقّق نجاحاً يمنحه تفوقاً على الآخرين، وبالتالي أحقية التفرّد بالقيادة، وهذا كان ملحوظاً بين يحيى السنوار وقيادة «حماس» في الدوحة. «حماس» اليوم متمسكة بسلاحها رغم أنها مهزومة وعلى كاهلها دماء الأهالي. المشروع الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول إخراج سكان غزة إلى مصر والأردن ليستطيع بناءها وتصبح صالحة للسكن، مقترح أفزع المنطقة، نزل كالطامة، ليس فقط كونه سيقضي تماماً على القضية الفلسطينية، بل من يستطيع القبول باستقبال مليوني نازح لا يملكون سوى ما يستر أجسادهم؟ لكن المقترح سرّع من الحراك العربي في اتجاه وضع خطة متفق عليها تسمح بإعمار غزة مع الوجود الفلسطيني، واليوم سنسمع تفاصيله في القمة العربية في القاهرة. الإشكال هنا في رغبة «حماس» بالبقاء في غزة، والاحتفاظ ببعض سلاحها لأسباب أمنية داخلية. أي أنها تريد سلاحاً لتدافع به أمام فكرة تحكم السلطة الفلسطينية بحكم غزة من خلال حكومة اختصاص. هذا السلاح سبق لـ«حماس» استخدامه ضد عناصر حركة «فتح» في صيف 2007، وتسبّب في قطيعة بين الفلسطينيين حتى اليوم، وفي كل الأحوال، قبول إسرائيل بـ«حماس» مسلحة أمر مستبعد. الحوثيون في اليمن يتبعون القواعد نفسها لـ«حزب الله» و«حماس»، كونهم يتغذّون من المورد نفسه، ورغم الهجمات التي تنفذها الجماعة ضد القطع البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب؛ لكنها في حال اليوم يختلف عن الأمس، فهي في مواجهة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وليس فقط الجيش الوطني اليمني، وغداً أو بعد غد ستكون جزءاً من تسوية.
التمرد في السودان على الحكومة المركزية تسبّب في دمار كبير. شحنات من السلاح تصل إلى المتمردين أعطتهم فرصة الوقوف أمام الجيش الوطني واقتحام الأحياء والمؤسسات، لكن مع الوقت وكثرة الخسائر تراجعت إلى الحل الآخر الذي تتوقع أن تفرض وجودها من خلاله، وهو إنشاء حكومة موازية في دولة أخرى. حل ينم عن يأس أكثر منه دلالة للهيمنة. وهو حل خيالي لا يُتوقع تطبيقه على أرض الواقع. لكن يظل الإشكال الكبير هو في حصول المتمردين على السلاح، الأسلحة هي آلة التدمير، وهي التي تُشعل الطمع في السلطة. إن توقفت إمدادات السلاح فسيتوقف الدمار، وستُتاح مساحة كافية لتدخل الوسطاء للحل والتسوية.
التنظيم الذي نال الانتباه وفاجأ الجميع هو حزب العمال الكردستاني، الذي عاش مناضلاً مكافحاً لنيل حقوق القومية الكردية منذ أكثر من 40 عاماً. فجأة خرج زعيم حزب العمل الكردستاني عبد الله أوجلان يدعو جماعته المسلحة إلى التخلي عن السلاح والانخراط في عملية سياسية توافقية، كان ذلك تجاوباً مع دعوة زعيم أكبر حزب قومي تركي دولت بهجلي، الذي قدّم المقترح في البرلمان بدعوة أوجلان للتحدث أمامه بحديث سلمي ينبذ الماضي ويفتح صفحة جديدة. السلام له أعداء، مثلما للحرب أعداء. ليس فقط المنتفعين من تجارة السلاح، ولكن أيضاً من المصابين بهلع الغدر أو الخائفين من الانتكاسة. لذلك تلقّى مقترح بهجلي هجوماً من الطرفين: الأكراد والأتراك، منهم من يشكّك بواقعيته، ومنهم من يخوّن الآخر ويذكّره بالماضي. الأكراد أكبر أقلية قومية في تركيا، ولها تأثير ملموس في الانتخابات، نزع سلاح ميليشيات الحزب في العراق وسوريا يعني تحولاً كبيراً في سياسة الطرفين، لكنه للأسف ليس أمراً هيناً. الأكراد المشككون يطالبون بتغيير فعلي ثقافياً واجتماعياً في الدستور التركي حتى يأخذوا الأمر بجدية. وتركيا مستعدة لاستقبال أوجلان وربما الإفراج عنه بصفته زعيماً روحياً للحزب؛ إن هو حث جماعته على ترك السلاح. قوات سوريا الديمقراطية في سوريا «قسد» ظلّت في حماية الولايات المتحدة منذ الثورة السورية؛ لأنها كانت أداة الحرب على «داعش»، لكن اليوم الدولة السورية كلها ضد «داعش». من غير المقبول القبول بأي فصيل سوري يتمسّك بالسلاح، لأن بقية الفصائل التي تركت سلاحها ستعود إليه مبررة موقفها بالحماية والدفاع، وستُعاد تجربة «حزب الله» من جديد. دعوة بهجلي تستحق الدراسة والتفكر، وموقف أوجلان موقف تاريخي كبير يُحسب له. افسحوا الطريق للسلام، لن نخسر في السلام كما نخسر في الحرب.