الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة

الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة

الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة

 العرب اليوم -

الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة

بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني

طفرة غير مسبوقة، ونشاط محموم في قطاع البحث العلمي في السعودية، من مظاهره زيادة عدد المراكز البحثية المستقلة أو الملحقة بالمؤسسات الصحية الكبيرة، مدعومة بشكل أساسي بالعدد المتزايد من الباحثين المتخصصين سواء المخضرمون الذين يقودون النشاط البحثي في الداخل، أم الشباب المبتعثون العائدون من الدراسة في الخارج. والسعودية بلد ضخم على أكثر من صعيد؛ من حيث المساحة المترامية هي من أكبر دول الشرق الأوسط؛ نحو مليونين ومائة وخمسون ألف كيلومتر مربع. وهذه المساحة متعددة التضاريس، بين منخفضات ساحلية، ومرتفعات جبلية، وصحارٍ، وسهول. التنوع الجغرافي منحها مناخات مختلفة ما بين البارد القارس والحار اللاهب. وتنوع خصائص المواقع يعني قطعاً تنوع الظروف الأحيائية، أي تنوع الغطاء النباتي وأجناس الحيوانات وخصائص التربة... وغيرها. في دول بهذه المواصفات، يفترض توافُق المختصين من الباحثين والعلماء مع طبيعة المناطق، وتحتم عليهم هذه الاختلافات دراسة ما يترتب عليها من اختلافات في خصائص الكائنات الحية، وأهمها على الإطلاق الكائنات المتسببة في الأمراض مثل البكتيريا والفيروسات.
العالم للتو خرج من محنة وباء «كورونا»، حيث كان امتحاناً صعباً، انكشفت فيه القدرة التنظيمية لكل حكومة على إدارة الأزمة، صحياً واجتماعياً وأمنياً. الوباء لم يكن متوقعاً، هذا يعني أننا قد، وقد لا، نتوقع الأوبئة، خصوصاً مع الشائعات التي تتحدث عن تطوير بعض الدول كائنات دقيقة كسلاح بيولوجي. لكن الحالة العامة، هي أن كل دولة عليها أن تتأهب لكل طارئ، سواء وباء أو زلزال، أو فيضان، كل ظواهر الطبيعة فرص قائمة للحدوث. هذا ليس ترويعاً، بل قراءة للمستقبل من نافذة الواقع.
البحث العلمي لا يهدف فقط للتطوير، بمعنى الابتكار، بل أيضاً للوقاية المسبقة.
كل بلد، كل أرض، تحمل خصائص تشجع نمو الكائنات الممرضة فيها حسب ما تمتلكه من بيئة محفزة للنشاط الميكروبي؛ لذلك ظهر مصطلح «الأمراض المتوطنة»؛ لأن مسبباتها الميكروبية تتوطن في بيئتها التي تشع على نموها وانتقالها وتكاثرها. وفي السعودية، لدى الجهات المختصة سواء وزارة الصحة أم الزراعة أم المستشفيات الكبرى لائحة بالأمراض المتوطنة في المملكة، بشكل رئيسي؛ فيروس «كورونا» المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي يصاب بها الإنسان من المخالطة المباشرة أو غير المباشرة مع الجمال المعروف اختصاراً باسم MERS. أيضاً البكتيريا المسببة لمرض الحمى المالطية، التي تنتقل عن طريق المواشي مباشرة أو بشكل غير مباشر. وفيروس حمى الضنك الذي ينتعش في المناطق الرطبة الحارة، وينقله البعوض. هذه أبرز الأمراض التي يتم التعامل معها بشكل مستمر في المملكة، ولا يعني هذا أنها لا توجد في مكان آخر في العالم، لكنها أمراض متوطنة، تفرض التعامل معها، وتقليل أضرارها بالوقاية أولاً، وسبل الوقاية متاحة من خلال التوعية أولاً، وأيضاً ما يقدمه مركز إنتاج وتقييم اللقاحات البيطرية التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة، الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة في حال التقصير في تغذية المناطق باللقاحات.
ما المطلوب إذن؟ الحقيقة أن الكائنات المجهرية غاية في الذكاء لمحاولة النجاة من الحرب المرصودة عليها؛ لأن الإنسان منذ بداية الخلق في صراع مع عوامل الطبيعة التي تهدد بقاءه، لكن هذ الصراع لم ولن ينتهي، وكل خطوة انتصار ضد الأوبئة، يصاحبها الحذر والاستمرار الدؤوب ضد تطوُّر الميكروب نفسه تطوراً ذاتياً للهروب من آثار اللقاحات.
سأضرب مثالاً واضحاً للموضوع الذي أطرحه في هذا المقال.
كل عام يسجل العالم عدد 390 مليون إصابة بفيروس حمى الضنك، لكن لا يوجد لقاح حتى الآن للوقاية منه عدا الاحتياطات المرتبطة بالقضاء على البعوض الناقل كتقليل البرك والبؤر المائية. وفي سهل تهامة، أي الساحل الغربي للمملكة، سجلت 2375 إصابة بفيروس حمى الضنك في عام 2019، وانبرت أمانة جدة ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومركز مكافحة الأمراض إلى الحصر والقضاء على أماكن انتشار البعوض الناقل، لكنها اعتمدت أيضاً تقنيات حيوية للقضاء على الناقل. هذه المكافحة جاءت بنتيجة إيجابية لكنها لم تقض على فرص انتشار المرض. والباحثون في المملكة، خصوصاً في الرياض، لاحظوا مؤخراً تغيُراً في طبيعة الفيروس المسبب، الذي كان يعيش وينتقل في بيئة رطبة جداً، وأصبح يتعايش مع البيئة الجافة، ما يعني توسيع نطاق وجوده إلى المناطق الجافة في البلاد. التفسير الأولي المعقول هو أن الفيروس، كعادة كل الفيروسات، استطاع أن يغير من جيناته الوراثية ليكون أكثر تكيفاً مع مناطق جافة تختلف عن الطبيعة الرطبة التي ينمو أصلاً خلالها. وفي مثل هذه الحالات، كل ما يحتاج إليه الباحث في مدينة مثل الرياض، جافة، أن يحصل على المعلومات التي تَحَصَّلَ عليها زملاؤه الباحثون في جدة وجيزان حول التتابع الوراثي للفيروس الأم، ليتمكنوا من فحص ورصد التغيرات التي طرأت على الفيروس الجديد، وبالتالي التعامل وفق البيانات الجديدة. هذا السلوك من الباحثين معروف في كل دول العالم؛ تبادل المعلومات لنفع البشرية، ولكن هذا التبادل ليس من خلال التواصل الشخصي، بل منصات إلكترونية، بمثابة «بنك للمعلومات»، متاحة لكل الباحثين. وأبرز مثال، هو موقع NCBI المركز الوطني لمعلومات التقنية الحيوية، في الولايات المتحدة الأميركية. هذا الموقع يقدم خدمة لا تقدر بثمن منذ تأسيسه كمختبر صغير في عام 1887م. ومع خدماته المتعددة القيّمة، وأهدافه في مكافحة الأمراض المعدية والوراثية وغيرها، وتوسعه الهائل حتى أصبح الواجهة الإلكترونية لمدينة علمية كبيرة في ولاية ميريلاند، كان ولا يزال ملتقى الباحثين، إلكترونياً، للحصول على تحليل المعلومات الوراثية التي يتحصل عليها أي باحث في أي بقعة في العالم.
في السعودية، حيث تشهد قفزة في التطوير في كل الحقول، ينتظر الباحثون تأسيس منصة إلكترونية محلية، للأمراض المتوطنة المذكورة، بحيث تضاف إليها المعلومات المسجلة من الباحثين في كل مناطق المملكة. حتى نعرف لماذا استطاع فيروس حمى الضنك تحمل الأجواء الجافة، علينا أن نفهم من الباحثين في جدة وجيزان المعلومات التي لديهم طوال هذه الأعوام عن التركيب الوراثي للفيروس. ومن خلال منصة إلكترونية وطنية، يستطيع الباحثون الوصول للمعلومة دون عناء البحث والسؤال، اختصاراً للوقت والجهد.
تطوير الوسائل الرقمية لخدمة الإنسان أصبح حتمياً، ويعكس فكراً نيّراً، يتواءم مع التحديات التي تواجه البشرية.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة الرصد الإلكتروني في مكافحة الأوبئة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab