بقلم - حمد الماجد
القط، كما تزعم الأساطير الشعبية، له سبع أرواح وذلك لقدرته الرهيبة على النجاة من مواقف وتهديدات كانت ستصيب الحيوانات الأخرى بإصابات بالغة لو واجهوها، كالسقوط من شاهق؛ نتيجة خفة وزنه وحذره ومرونة حركته واستشعاره للأخطار المحدقة وتلافيها.
والزعيم التركي رجب طيب إردوغان بانتصاره «المريح» في الانتخابات الرئاسية التركية الأحد الماضي أثبت أنه ذو سبع أو ربما تسع أرواح عطفاً على عدد من المخاطر والتحديات والتهديدات التي تفاداها بحذره ومرونة حركته واستشعاره للأخطار المحدقة أو نجاته من سقوط متكرر أحدث جراحاً وخموشاً لكنها لم تصبه في مقتل سياسي.
واحدة من المخاطر في العهد الإردوغاني الذي طال أكثر من العهد الأتاتوركي، كانت كفيلة أن تطيح به من علياء عرشه السياسي في صراعه الأزلي مع خصومه خاصة حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي العتيق: من هذه الإشكالات الخطرة كورونا ونزول المؤشر الاقتصادي، وانخفاض الليرة التركية، وملايين السوريين المهجرين من بلادهم إلى تركيا، ثم كوارث الزلزال، والسجن عام 1999 بسبب قصيدة شعرية، والتظاهرات الحاشدة، والمحاولة الانقلابية الخطرة عام 2016، هذا ناهيك عن أن السلطان التركي أردوغان غير مرغوب فيه أوروبياً وأميركياً، ولا يهضمه الإعلام الغربي، و«النزعة الاستبدادية» التي يتهمه بها معارضوه، ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو 2016 والتعديلات الدستورية عام 2017 التي وسعت صلاحياته، كان من المتوقع أن تقلص من شعبيته، وبالتالي تقلل من حظوظه في الفوز بالانتخابات الرئاسية.
وقبل ذلك كله طول مدته في المشهد السياسي التركي التي جاوزت 30 عاماً من رئيس بلدية إسطنبول مروراً برئاسة الوزراء إلى أن استوى على العرش السياسي التركي بمسماه الفخم (رئيس الجمهورية)، ومعروف أن الناخب في أي دولة ديمقراطية في الدنيا ينزع إلى التغيير أحياناً لذات التغيير، ويتسلل إليه الملل والسأم من طول مكث زعماء الأحزاب في المشهد حتى ولو كانت لهم إنجازاتهم.
كما أن إردوغان ارتكب أخطاء كبيرة مع دول إقليمية كبرى، السعودية ومصر، كان من الممكن أن تؤثر على مساعيه نحو الفوز بالانتخابات، فكان تعامله مع ملف جمال خاشقجي وملف إسقاط حكومة الإخوان المسلمين في مصر يتسم بالرعونة السياسية، ويفتقد إلى الحكمة وما هو في صالح بلاده قبل أن يكون في صالحه وصالح حزبه، بدليل أنه عاد عن هذه الأخطاء في التوقيت الصحيح وطبَّعَ علاقاته مع البلدين المحوريين الكبيرين، وأقفل ملفات جلبت له صداعاً كان هو وتركيا بغنىً عنها.
ومع كل هذه التهديدات والمخاطر فقد نجح إردوغان ذو السبع أرواح في تفادي آثارها المباشرة والجانبية وفاز، وسبحان مالك المُلك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويهب «السبع أرواح» لمن يشاء.