بقلم:حمد الماجد
قبل سنوات عدة وفي أحد ملتقيات حوار الأديان في أوروبا، قال لي حاخام يهودي: في إسرائيل لليهود «صحوتهم» وعندهم «اليهودية السياسية»، ولديهم أيضاً «داعش» بنسختها اليهودية. تذكرت مقالته والمحللون السياسيون يتابعون بدهشة تنامي قوة ونفوذ الأحزاب الدينية اليهودية التي على أكتافها صعد السياسي الإسرائيلي المعتق و«الشرس» بنيامين نتنياهو ليشكل مع التيارات الدينية اليهودية بشقيها المعتدل والداعشي أشد الحكومات الإسرائيلية يمينية وتطرفاً منذ إنشاء الدولة اليهودية على أنقاض الكيان الفلسطيني، بل إن التيارات الدينية اليهودية مع تكتلات اليمين اليهودي المتشدد، أمست العنصر المرجح لكفة حزب الليكود مما منحه سيطرة شبه مطلقة على المشهد السياسي في إسرائيل، ولم يتمكن حزب العمل المنافس اللدود لليكود من حكم إسرائيل إلا ثماني سنوات منذ عام 1977، مقابل 37 سنة لليكود بجناحيه اليميني العنصري واليميني الديني، ولهذا أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته «يائير لابيد» تصريحاً صريحاً قال فيه: «الحكومة المقبلة لن تكون مجرد حكومة يجلس فيها المتشددون دينياً، بل ستكون حكومة يحكمها هؤلاء المتشددون بشكل كامل»، وقد كان، فالدعشنة بنسختها اليهودية وصلت ذروتها في النفوذ، ويبدو أنها اتخذت شعار «باقية وتتمدد».
وكعادة الغرب الذي يكيل بمكيالين مع العرب وإسرائيل، ها هو الآن يقف موقفاً مزدوجاً، ليغض الطرف عن التشدد في نسخته اليهودية الإسرائيلية، فلا يكترث بتمدد المتطرفين الذين نخروا حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، ويشيح بوجهه عن تعيين متشددين يتبنون العنف، فبعضهم كما تقول مصادر غربية مدان بالعنصرية والإرهاب وحمل السلاح مثل إيتمار بن غفير وزير الشرطة ومنهم مستوطنون في الضفة الغربية المحتلة، فوزير المالية الجديد «بيزاليل سموتريتش» ولد ونشأ وترعرع في مستوطنتي الجولان والضفة الغربية ثم ختم جهوده الاستيطانية بأن شيد منزلاً «مخالفاً» في مستوطنة كدوميم ويسكن الآن فيها.
وكما كانت تصنع «داعش»، النسخة الأصلية، وعلى مر السنوات باستمالة جمهور العامة عبر نشاطات اجتماعية خيرية وتربوية وترفيهية، تزايد حضور الصهيونية الدينية بين الفئات المجتمعية اليهودية المتعددة في المجتمع الإسرائيلي، مستغلين الآيديولوجية التلمودية وأسس الصهيونية الدينية ليتمكنوا من تأسيس شبكة واسعة من الجمعيات الدينية، وقد أثمرت هذه النشاطات الدينية المتطرفة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حين حصلوا على 14 مقعداً في الكنيست المكون من 120 مقعداً، وهو رقم قياسي غير مسبوق.
إسرائيل ليست بدعاً من الدول الغربية التي يكبر فيها وحش التيارات اليمينية المتشددة، بل إن اليمين الإسرائيلي «الداعشي» المتطرف أشد تشدداً، عطفاً على الجرعة التلمودية التي تعتبر أشد تركيزاً من نظيراتها في المذاهب المسيحية.