الامتثال لقيمة الأمثال

الامتثال لقيمة الأمثال

الامتثال لقيمة الأمثال

 العرب اليوم -

الامتثال لقيمة الأمثال

تركي الدخيل
بقلم تركي الدخيل

تُعَبِّر الأمثالُ في كلِّ ثقافة، عن حكمةِ الشعوب، وعراقةِ تاريخها، وعصارةِ تجاربِها، وامتدادِ حضارتها، وهي مرآة تعكس أخلاقيات الأمم، وقيمها، ووعيها، وطرائق تعاطيها مع انتصاراتها وهزائمها، وأثر الفرح والحزن على ثقافةِ الأمم. ولذلك يقول الفيلسوف الإيطالي، جيوفاني توريانو (ت1617): «نستطيع أن نكتشفَ بسهولةٍ طبيعةَ الشعب وذكاءَه عن طريق الأمثال الشعبية، فهذه الأمثال تمثل فلسفةَ الجماهير».

وشَقَّت الأمثالُ طريقاً طويلة، أَهَّلَتهَا لتكونَ من أقدم وأعرقِ وأهمِ أبواب الأدب، واللغة، والبيان.

وهو ما عبَّر عنه، أحمد أمين، قائلاً: «الأمثال نوع من أنواع الأدب، يمتاز بإيجاز اللفظ، وحسنِ المعنى، ولطفِ التشبيه، وجودةِ الكناية، ولا تكاد تخلو منها أمةٌ من الأمم».

إنَّ اهتمامَ العرب بالأمثال أكيدٌ ثابتٌ، ويكفي للوقوف عليه بشكل بَيِّنٍ وواضحٍ، استعراض ضخامة حجمِ وعدد الكتب المصنفة في الأمثال، على اختلاف موضوعاتها، أو طرق تصنيفها، ما يؤكد أنَّ الأمثالَ كانت عندهم في موضعٍ عليٍّ حَفيٍّ، وكانوا بها يضعونَ خلاصة التجارب، وعصارات الحِكَم، ومن خلالها ينظرون لجوانب الحياة، وأثبتوا ثقافتَهم ونظرتهم للآخر ولأنفسهم ولمَّا تواجههم به الحياة من تصاريف، كل ذلك بعبارة وجيزة، مختصرة، بليغة، حتى أصبحت شبيهةً بالأنظمة والقوانين.

وأكَّد ابنُ الأثير في «المثل السائر»، أنَّ «العربَ لم تضع الأمثال إلا لأسباب أوجبتها وحوادث اقتضتها، فصار المثل المضروب لأمر من الأمور عندهم كالعلامة التي يعرف بها الشيء وليس في كلامهم أوجز منها ولا أشد اختصاراً».

وفي القرآن الكريم: «إنَّ الله لا يستحيي أن يضربَ مثلاً».

ومن قيمة المثل، قول ابن المقفع: «إذا جُعِلَ الكلامُ مثلاً كان أوضحَ للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث».

وأركان المثل التي لا تتوفر في غيره من الكلام أربعة، حكاها النظام، وهي: «إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحُسْن التشبيه، وجَوْدة الكناية، فهو نهاية البلاغة».

وقد اعتنى العرب بالأمثال كثيراً لتكون عظة وعبرة، ومصدراً للحكمة، وإضافة لتجارب الحياة، فسُمِّيَت أمثالهم المنتشرة، نثراً وشعراً: الأمثال السائرة، لأنها تسير مع الركبان، فتؤنس أحاديثهم، وتراكم عقولهم. و«المثل السائر في كلام العربِ كثيرٌ نظماً ونثراً، وأفضله أوجزه وأحكمُهُ أَصدَقُهُ»، طبقاً لابن رشيق.

ودلالة كون المثل نتيجة تراكم تجارب إنسانية، يقول مثل عالمي: «المثل حكمة صدرت عن ناس كثيرين ويُظن أنه صادر عن فرد».

يقول شكسبير: «عالج أحزانك بالأمثال». أما تشرشل فيرى: «أهم شيء لغير المتعلم أن يقرأ الأمثال».

قال الثعالبي عن أبي الطيب المتنبي: «سَار ذِكرهُ مَسِيرَ الشَّمسِ وَالقَمَر، وسافر كَلامُه فِي البدو والحضر، وكادت اللَّيَالِي تُنشِدُهُ وَالأيَّامُ تَحفَظُهُ، كَمَا قَالَ وَأحسن مَا شَاءَ:

وَلِي فِيكَ مَا لَمْ يَقُل قَائِلٌ وَمَا لَمْ يَسِر قَمَرٌ حَيثُ سَارَا

وَعِندِي لَكَ الشُّرُدُ السَائِرَاتُ لَا يَختَصِصْنَ مِنَ الأَرضِ دَارَا

إِذَا سِرْنَ مِن مَقوَلٍ مَرَّةً وَثَبنَ الجِبَالَ وَخُضْنَ البِحَارَا

هَذَا من أحسن مَا قيل فِي وصف الشّعر السائر».

ومن أجمل وأبلغ ما قيل في المثل، وقيمته، وعلوّ منزلته، ومكانته عند العرب، ما قاله أبو هلال العسكري، وأورده على طوله، لأهميته، إذ يقول: «مَا رَأَيْتُ حَاجَةَ الشريفِ إِلَى شَيْءً من أدب اللِّسَان، بعد سَلَامَته من اللّحن، كحاجته إِلَى الشَّاهِدِ والمَثَلِ والشذرة والكلمة السائرة، فَإِن ذَلِك يزِيد الْمنطق تفخيماً، ويُكسِبه قَبولاً، وَيجْعَل لَهُ قدراً فِي النُّفُوس، وحَلاوةً فِي الصُّدُور، وَيَدْعُو الْقُلُوب إِلَى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة، والاستظهار بِهِ أَوَان المُجَاوَلة، فِي ميادين المجادلة، والمصاولة فِي حلبات المقاولة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلَام كالتفصيل فِي العِقْد، والتنوير فِي الرَّوْض، والتَّسهيم فِي الْبُرد، فَيَنْبَغِي أَن يستكثر من أَنْوَاعه، لَأن الإقلالَ مِنْهَا كاسمه إقلال، وَالتَّقْصِير فِي التماسه قُصُور، وَمَا كَانَ مِنْهُ مثلاً سائراً فمعرفته ألزم، لَأَن منفعَته أَعم، وَالْجهل بِهِ أقبح. وَلما عرفت الْعَرَب أَنَّ الْأَمْثَال تتصرَّف فِي أَكثر وُجُوه الْكَلَام، وَتدْخل فِي جُلّ أساليب القَوْل، أخرجوها فِي أقواها من الْأَلْفَاظ، ليخف اسْتِعْمَالهَا ويسهل تداولها، فَهِيَ من أَجَلِّ الْكَلَام وأنبله وأشرفه وأفضله، لقِلَّة ألفاظها، وَكَثْرَة مَعَانِيهَا ويسير مؤونتها على الْمُتَكَلّم، مَعَ كَبِير عنايتها، وجسيم عائدتها. وَمن عجائبها أَنَّهَا مَعَ إيجازها تعْمل عمل الإطناب، وَلها روعة إِذا برزت فِي أثْنَاء الْخطاب، وَالْحِفْظُ مُوكَّل بِمَا رَاعَ من اللَّفْظ، ونَدرَ من الْمَعْنى. والأمثال أَيْضاً، نوع من الْعلم، منفرد بِنَفسِهِ، لَا يقدر على التَّصَرُّف فِيهِ، إِلَّا من اجْتهد فِي طلبه، حَتَّى أحكمه وَبَالغَ فِي التماسه حَتَّى أتقنه».

يقول صاحب «المستطرف في كل فن مستظرف»: «الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب العاقلُ خطابَه، وحلّى بجواهره كتابه». ويصف «العقد الفريد»، الأمثال بأنها «وَشيُ الكلامِ، وجَوهَرُ اللّفظ، وحُلْيُ المعاني، التي تَخَيَّرَتَها العرب، وقَدَّمَتها العَجَم، ونَطَقَ بها كُلُّ زمانٍ، وعلى كُلِّ لِسَانٍ، فهي أَبقَى مِن الشِّعرِ، وأَشرَفُ من الخطابة، لَم يَسِرْ شَيءٌ مَسِيرَها، ولا عَمَّ عُمُومَها، حتى قيل: أَسْيَرُ مِن مَثَل».

ويعدّ الزَّمخشري، الأمثال، «قُصَارَى فصاحة العرب، وجَوَامِع كَلِمِها، ونوادر حِكَمِها، وبلاغتها التي أعربت بها عن القرائح السليمة، حيث أوجزت اللفظ، فأشبعت المعنى، وقَصَّرَت العبارة، فأَطَالَت المَغزَى، وَكَنَّت فَأَغنَت عَن الإِفصَاح».

والكلام الجامع:‏ أن يكونَ البيت كلّه جارياً مجرى مثل واحد، كقول زهير:

ومن يَكُ ذا فضل و يبخل بفضله‏ على قومه يستغن عنه ويذمم‏

ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم‏

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم‏

وقول أبي فراس:

إذا كان غير اللّه في عدّة الفتى‏ أتته الرزايا من وجوهِ الفوائد

وقول المتنبي:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهمِ السقيم‏

وقوله:

ومن نكدِ الدنيا على الحرّ أن يرى‏ عدوّاً له ما من صداقته بدُّ

وقوله:

ومن البليّةِ عذل من لا يرعوى‏ عن جهله وخطاب من لا يفهم‏

وقوله:

إنا لفي زمن ترك القبيح به‏ من أكثر الناس إحسان وإجمال

وقول الحطيئة:

من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه لا يذهب العرفُ بين الله والناس

وقول طرفة:

ستبدي لك الأيامُ ما كنت جاهله ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ

وقول بعضهم:

ما كلّف الله نفساً فوقَ طاقتِها ولا تجود يدٌ إلا بما تجد

وقول غيره:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إنَّ السفينةَ لا تجري على اليبس

وقال آخر:

متى تنقضي حاجاتُ من ليس صابرَا على حاجةٍ حتى تكونَ له أخرى

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الامتثال لقيمة الأمثال الامتثال لقيمة الأمثال



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab