الصَّداقة المؤلمة

الصَّداقة المؤلمة!

الصَّداقة المؤلمة!

 العرب اليوم -

الصَّداقة المؤلمة

بقلم : تركي الدخيل

 

الأصلُ في العَدَاوةِ كمَا هُوَ مَعلومٌ أنَّها تَجلُبُ الضَّرَرَ، بينمَا الأَصلُ في الصَّداقَةِ نفعُهَا وحُسنُ عَوائدِهَا، لكنَّ أبَا الطَّيبِ المتنبّي يخبرُنا فِي بَيتٍ من شِعرِه، خلافَ السَّائدِ، ونقيضَ الأَصلِ، ضمنَ حديثِه في المُتناقضَاتِ، وهو عملٌ يُحسنُه ويُتقِنُه. يقولُ في بيتِه هَذا:

ومِنَ العَدَاوةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ ومِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ ويُؤْلِمُ

و(مِنْ): في صَدرِ الصَّدر، للتَّبعيض، فبعضُ العَداوةِ يَجري خِلافَ العَادَةِ وينالُكَ نَفعُه.

والعَدَاوةُ: كَمَا في «لسَان العرب»، لابنِ منظور: «اسمٌ عامٌّ مِنَ العَدُوِّ، يُقَالُ: عَدُوٌّ بَيِّنُ العَدَاوَة، وفلانٌ يُعَادِي بَنِي فُلَانٍ. قَالَ اللَّهُ سبحانه: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)».

وفُلانٌ عَدوُّ فُلانٍ: أي يعدُو ويعتدِي عليهِ بالمَكروهِ.

ينالُك: نالَ: إذا حَصَلَ علَى الشَّيء، وينالُك، أي يَصلُكَ ويصيرُ لكَ.

نفعُه: النَّفعُ ضِدُّ الضُّر. والمَقصودُ الانتفاعُ به، يعنِي: يَحصلُ لكَ الانتفاعُ به. واستخدمَ (ينالُكَ) مع النَّفع، فالنَّوالُ مكسبٌ، وعادةً ما يكونُ مع الخَير.

و(مِن) التَّي سَبَقَتِ الصَّدَاقةَ، تبعيضيةٌ أيضاً، وهي عَكسُ الأصْلِ، وخِلافُ السَّائدِ، فَالأصْلُ أنَّ الصَّداقةَ تنفعُ ولا تُؤلمُ.

«والصَّداقةُ والمُصادَقةُ: المُخالَّةُ. وصَدَقَه النصيحةَ والإِخاء: أَمْحَضَه لَهُ. وصادَقْتُه مُصادَقةً وصِداقًا: خالَلْتُه، وَالِاسْمُ الصَّداقة. وتصَادَقا فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْمَوَدَّةِ، والصَّداقةُ مَصْدَرُ الصَّدِيق، واشتقاقُه أَنَّه صَدَقَه المودَّةَ والنصيحةَ. والصَّدِيقُ: المُصادِقُ لَكَ، وَالْجَمْعَ: صُدَقاء وصُدْقانٌ وأَصْدِقاء وأَصادِقُ»، كمَا قالَ ابن منظور في اللّسَان.

يَضرُّ: مِن الضُّر، وهو عكسُ النَّفعِ.

في اللّسَان: «ضرر: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: النَّافِعُ الضَّارُّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَيَضُرُّهُ، حَيْثُ هُوَ خَالِقُ الأَشياء كلِّها: خيرِها وَشَرِّهَا وَنَفْعِهَا وَضُرِّهَا. الضَّرُّ والضُّرُّ لُغَتَانِ: ضِدُّ النَّفْعِ. وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ كالشَّهْد والشُّهْد، فإِذا جَمَعْتَ بَيْنَ الضَّرّ وَالنَّفْعِ فَتَحْتَ الضَّادَ، وإِذا أَفردت الضُّرّ ضَمَمْت الضَّادَ، إِذا لَمْ تَجْعَلْهُ مَصْدَراً، كَقَوْلِكَ: ضَرَرْتُ ضَرًّا؛ هَكَذَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ».

يُؤلمُ: من الألَمِ، وهوَ الوَجع.

وتَحدَّثَ كثيرونَ في ذمّ الصَّداقةِ بعامةٍ، وهذا المَسلَكُ مِنَ الشَّطَطِ في رَأيي...

يَقولُ الشَّاعرُ اليَمنيُّ الكَبيرُ، عبد الله البردونيّ:

والصَّدَاقاتُ كَالعَداواتِ تُؤذي فَسَواءٌ من تَصطفِي أو تُعادِي

وفي «فصلُ المقالِ في شرح كتابِ الأمثال»، لأبِي عبيدٍ البكري (ت 487 هـ) بوَّبَ «باب الرجل الأحمق»، وفيه: من أمثالهم السَّائرة قولُهم: «معاداةُ العاقلِ خيرٌ من مُصادقَةِ الأحْمق»، فَتلقَّفَ مَعناه صالح بن عبدِ القدوس، فقالَ:

ولأنْ يعادي عاقلًا خيرٌ له من أنْ يكونَ له صديقٌ أَحمقُ

فأخذَه أبو الطيب صائغاً المعنَى في سَبكٍ لافتٍ، قائلاً:

ومِنَ العَداوةِ ما ينالُكَ نفعُه ومِنَ الصَّداقةِ ما يضرُّ ويؤلمُ

فلَعلَّه قصدَ بمَا يضرُّ من الصَّداقةِ، صداقةَ الأحمقِ، أو لعلَّه قصدَ ما أوردَه في بيتِه البَديع، إذْ قال:

ومِن نَكَدِ الدُّنيَا عَلَى الحُرِّ أَنْ يَرَى عَدُوًّا لَهُ مَا مِن صَدَاقَتِهِ بُدُّ

arabstoday

GMT 19:55 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

أورتاغوس تستفزّ إيران من قصر بعبدا

GMT 18:37 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

أصعب موقف يواجه المنطقة

GMT 18:36 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 14:32 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

سياسة ترامب.. بالونات اختبار

GMT 08:49 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

شاليهات

GMT 08:46 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

غزة بين خروج «حماس» أو ترحيل سكانها

GMT 08:45 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي»!

GMT 08:43 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

العَلمَانية... كلمة الجدل السائلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصَّداقة المؤلمة الصَّداقة المؤلمة



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:03 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

هالة صدقي تعلن أسباب هجرتها من القاهرة

GMT 16:57 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

قصي خولي يكشف مصير مسلسله مع نور الغندور

GMT 13:06 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

محمد سعد يحتفل بنجاح "الدشاش" بطريقته الخاصة

GMT 17:18 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

القوى العظمى.. يوتوبيا أم ديستوبيا؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab