في المطالع رأيٌ بآلاف المقاتلين

في المطالع: رأيٌ بآلاف المقاتلين!

في المطالع: رأيٌ بآلاف المقاتلين!

 العرب اليوم -

في المطالع رأيٌ بآلاف المقاتلين

تركي الدخيل
بقلم - تركي الدخيل

رُوِيَ أن معاوية بن أبي سفيان، قال لمروان والأسود: «أمددتما عَلِيّاً بقيس بن سعد، وبرأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل، ما كان بأغيظ لي من ذلك»، فَعَدَّ رأي قيس بن سعد في المعركة، أكثر قيمة وأهمية وجدوى من 8 آلاف مقاتل!

ولا غرابة، فمن قلائد شعر المتنبي، قوله:

الرأيُ قبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ... هُوَ أوَّلٌ وَهْيَ المَحَلُّ الثّاني

وكُنَّا في مقال سابق، نُبحِر في بيتِ أبي الطيب:

إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومٍ... فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ

والبيت مَطلَعُ قصيدة للمتنبي، والمطلع بيتُ القصيدة الأول، وتميز البيت في مبناه ومعناه، يؤكد إحدى خصائص شعر أبي الطيب: «حسن المطالع»، أو «حُسن الافتتاح».

في كتاب: «العمدة في محاسن الشعر»، يقول ابنُ رَشِيق القيرواني: «إنَّ حُسنَ الافتتاحِ داعِيَةُ الانشراحِ، ومَطِيَّةُ النَّجَاحِ»، إنَّ «الشِّعرَ قُفْلٌ أَوَّلُهُ مِفتَاحُه، وينبغي للشاعِر أَن يُجَوِّدَ ابتداءَ شِعرِهِ، فإِنَّه أوّلُ ما يَقرَعُ السَّمعَ، وبِهِ يُستَدَلُّ على مَا عِندَهُ مِن أَوَّل وَهلَة». ولَم تعتَنِ آدابُ العالم بمَطَالِع نُصوصِها الشعريةِ، مثلما اعتنى بها أدبُنا العربيّ، بل ومَجَّدَ أنواعَها، وقال فيها نُقَّادُه ما قالوا، استحساناً لمَطْلَع أو استهجاناً لآخر.

ويذهَبُ بي الظّنُّ إلى أنّ الشاعرَ العربيّ، وهو يُجوِّدُ مطلعَ قصيدته، إنما يقطِّرُ فيه روحَه كلَّها، فلا يَبْقى منه خارج اللغةِ، سوى لَحْمٍ له وعَظْمٍ باليَيْن. فإذا كلّ مَطْلَعٍ لقصيدة؛ تجريبٌ من الشاعر لحياةٍ ممكنةٍ، قد تطلع من بيته الشعريّ، وتسري في ملكوت القصيدة، وتظلّ تُشرقُ من هناك على أكوانٍ من التأويل كثيرةٍ.

إنَّ مَطْلَعَ القصيدةِ في فلسفة الشِّعر العربي فَجْرٌ، وما الشاعرُ إلاّ ذاكَ الإنسانُ الحالِمُ بأن يجعلَ كُلَّ حياتِه فَجْراً.

ولأبي الطيب في هذا الباب قدحٌ مُعلًّى من نجاحٍ جالبٍ لانشراحٍ، وفَجرٍ طويلٍ مُمتَدٍّ، فمن بديع مطالعه، ما استشهدنا به أول المقال، وهو قوله:

الرأيُ قبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ هُوَ أوَّلٌ وهْيَ المَحَلُّ الثّاني

قال ابن حمدون، في «التذكرة الحمدونية»: «لحق أبو الطيب المتنبي الأوائل»، بهذا البيت. وعَدَّه ابن تيمية: «من حكمة الشعر عن أبي الطيب».

أما ابن جني، فَعَدَّ: «هَذَا الْبَيْت وَحده لَو كَانَ فِي شِعرِ شَاعِرٍ لَجَمَّلَهُ كُله».

ولبراعة البيت، عدَّه الثعالبي مثالاً لإرسال المثل، والموعظة، والناس، والدنيا، وما يجري مجراها في مِصراعِ البيت الواحد.

فلا غرو أن تكون الشجاعة الحقيقية نابعة من الرأي العاقل، وكُلُّ شجاعة منبعها غير رأي العقل مؤدية إلى سوء المنقلب.

والرأي في اللغة: نظر وإبصار بعين أو بصيرة، فالرأي ما يراه الإنسان في الأمر، يُقال: رأيته رأي العين، أي: ما وقع عليه البصر. وعند الفقهاء، كما في «إعلام الموقعين» لابن القيم الجوزيَّة، الرأي: «هو ما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات».

قال ابن القيم، في كتابه: «الفروسية المحمدية»: «والناس ثلاثة: رجلٌ، ونصف رجل، ولا شيء. فالرجل: من اجتمع له إصابة الرأي والشَّجاعة. ونصف الرجل: هو من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر (الرأي والشجاعة). والذي هو لا شيء: مَن عَرِيَ من الوصفين جميعاً»!

ونقل أبو هلال العسكري في «ديوان المعاني»، عن أبرويز كِسْرى الثاني، أعظم ملوك الإمبراطورية الساسانية، قوله لجُندِهِ: «لا يَشحَذ امرؤ منكم سيفه، حتى يشحذَ عقله»، ثم قال: «أَلَمَّ المتنبي بذلك، فقال: الرأيُ قبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ... هُوَ أوَّلٌ وهْيَ المَحَلُّ الثّاني».

وقد توافق كل من كتب عن الحُكم، على وجوب توافر الرأي السديد للحاكم، وأجمعوا على الاستشهاد ببيت أبي الطيب.

يقول ذو الرئاستين؛ الفضل بن سهل: «الرأي يسدّ ثلم السيف، والسيف لا يسدّ ثلم الرأي».

ومَدَحَت العرب الأَناة في الرأي، وعدم الاستعجال في القرار، واستعاذوا بالله من الرأي الفطير، والرأي الدَّبَرِيّ. والفطير: هو الذي أعجل به صاحبه قبل أن يختمر. أما الدبري: فهو الذي يأتي في دُبُر الحدث، أي بعد انقضائه.

ويتم معنى بيتنا الأبيات بعده:

الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ ... هو أول وهيْ المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس مُرَّة ... بلغتْ من العلياءِ كلَّ مكان

ولربما طعن الفتى أقرانَه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغمٍ ... أدنى إلى شرف من الإنسان

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في المطالع رأيٌ بآلاف المقاتلين في المطالع رأيٌ بآلاف المقاتلين



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 23:16 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تقتل 12 عنصرا من الدفاع المدني في بعلبك
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية تقتل 12 عنصرا من الدفاع المدني في بعلبك

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab