بقلم:تركي الدخيل
صَنعَ أبطالُ المنتخبِ السعودي في مونديال قطر 2022، يومَ الثلاثاء الماضي، ملحمةً بطوليةً، أثارت إعجابَ العالمِ من شرقه لغربه، إذ فازت السعوديةُ على الأرجنتين، بهدفين لهدف.
صالَ السعوديون في المباراة وجالوا، واستبسلوا في الهجوم والدفاع، فألجموا ميسي ورفاقَه، وكأنَّهم يردّدون أبيات الشاعر الأحسائي، علي بن المقرّب العيوني (ت 630هـ)، إذ قالَ:
عَدِمتُ فُؤاداً لا يَبيتُ وَهمُّهُ
كِرامُ المَساعي وَاِرتِقاءٌ إِلى المَجدِ
لعَمري ما دَعدٌ بِهَمّي وَإِن دَنَت
وَلا لِي بِهِندٍ مِن غَرامٍ وَلا وَجدِ
وَلَكِنَّ وَجدي بِالعُلا وَصَبابتي
لعارِفَةٍ أسدي وَمَكرُمَةٍ أُجدي
إِلى كَم تَقاضاني العُلا ما وَعَدتُها
وَغَيرُ رِضاً إِنجازُكَ الوَعدَ بِالوَعدِ
لقد أدركَ أبطالُنا أنَّهم يخوضون مباراةً صعبة، فخَصمُهم أحدُ المنتخباتِ المرشَّحةِ لنيل النُّسخةِ القطرية من كأس العالم، ولكنَّهم ذوو هِمَمٍ تبلغ عنانَ السماء، فكأنَّ المتنبي كانَ يصفُ هِمَّةَ سلمان الفرج ورفاقِه، يومَ قال:
هِمَمٌ بَلَّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
قَصُرَتْ عَن بُلُوغِها الأَوْهَامُ
وَنُفُوسٌ إِذا انبَرَتْ لِقِتَالٍ
نَفَذَتْ قَبلَ يَنْفَذُ الإِقْدَامُ
تعاملَ السعوديون مع خَصمِهم باحترامِ الكبار، فانزلوه منزلتَه، ولم يقلّلوا من أنفسهم، ولا من قيمتِهم، ألمْ يقل الإمامُ الشافعي:
وَمَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ
وَمَنْ حَقَرَ الرِّجالَ فَلَنْ يُهَابَا
كانت سخرية البعضِ من فريقِنا قبلَ مواجهةِ الأرجنتين، جهلاً منهم بأنَّ الحلمَ السعوديَّ لا يعرف المستحيل، ولذلك قال شاعرُنا الفرزدق:
أَحلامُنَا تَزِنُ الجِبالَ رَزَانَةً
وَتَخَالُنَا جِنّاً إِذا ما نَجْهَلُ
لم يكُن فوزُ السعوديةِ على الأرجنتين محضَ صدفةٍ، بل كانَ نتيجةَ أداءٍ رجوليٍّ، اكتسَى بإبداعٍ مهاري، ما جعلَ النقادَ يؤكدون استحقاقَ الفوز، بما بذله اللاعبون من جهدٍ، واتباعهم خطةَ المُدرِّب الذكية، التي نصبَ من خلالِها شرَكَ التسلل، تلك التي وَقَعَ فيها مراراً وتكراراً ميسي وفريقُه.
لقد امتثل أبطالُ السعوديةِ لتوجيه أبي الطيب، حين قال:
إِذَا غَامَرتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ
فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُوْنَ النُّجُومِ
لا شَك أنَّ الفوزَ التاريخي، تحقَّق بعد لقاء وليِّ العهد المُلهِم الأمير محمد بن سلمان، قبيلَ انطلاقِ المونديال بلاعبي المنتخب، إذ طالبهم بـ»الاستمتاع» بالمباريات، ووجَّههم للَّعبِ بارتياحٍ ومتعة، بعيداً عن أية ضغوطاتٍ نفسية، بالنظر إلى قوةِ مستويات فرق مجموعتِهم، حيث تشملُ: الأرجنتينَ، والمكسيكَ، وبولندا، إضافة إلى السعودية.
ونقول لوجه السَّعد، قائد رؤية 2030، المقدام: إنَّ هذا التميز بعضُ غرسِكم، وثمرةُ تخطيطِكم وعملِكم، فاسمح لنا يا أبا سلمان أن ننشدَ في حضرتِك قول المتنبي:
إِذا مَا العَالِمُونَ عَرَوكَ قالوا:
أَفِدنا أَيُّها الحبرُ الإِمامُ
إِذا ما المُعلِمونَ رَأَوكَ قالوا:
بِهَذا يُعلَمُ الجَيشُ اللُّهَامُ
لَقَد حَسُنَت بِكَ الأَوقاتُ حَتّى
كَأَنَّكَ في فَمِ الدَهرِ ابتِسامُ