الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز

الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز!

الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز!

 العرب اليوم -

الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز

بقلم - تركي الدخيل

عادة ما تكون الوجبات الرئيسية في معظم بلدان العالم، من منتوجات البلد الزراعية، فيصنعون طبقهم الرئيسي من نتاج حصادهم، مثل: الحبوب أو الحنطة أو الشعير، ونحوها، فتتصدر الأكلة الرئيسية الموائد كلها.

لعلَّ من الاستثناءات القليلة لما سبق، اتفاقَ دول الخليج: السعودية، والإمارات، وعمان، والبحرين، وقطر، والكويت؛ على أن وجبتَهم الرئيسية هي الأرز، الذي يستوردونَه، ولا يُزرع في بلدانهم! ويُقال للأرز بالعامية: الرُّزُّ؛ وهي عاميَّةٌ فصيحة، كما في «لسان العرب»، و«تاج العروس». ويُسمى في العراق: «التِّمَّن».

كيف دخل الرزُّ إلى الجزيرة العربية، والسعودية بخاصة، ونجد تحديداً، حيث كان الناس يعتاشونَ على ما يزرعونَه من حنطةٍ وبُرٍّ وشعيرٍ وتمرٍ، ونحوها؟

في السعودية، لم يَعرِف الرُّزَّ، مع بدايات التأسيس، إلا الأثرياءُ، فيجلبونَه من العراق، أو الهند، واليوم، لا تكادُ مائدةٌ خليجيةٌ تخلو منه يومياً!

يقول الأستاذ جواد علي، في «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»: «ويظهر أن الرزَّ لم يكن من الحبوب المعروفة عند أهل الحجاز، أو الأماكن الأخرى من جزيرة العرب. وهو من طعامِ الحضر. وقد تعوَّد الناسُ استعمالَ حبوب أخرى، بدلاً منه كالحنطةِ والشعير والذرة، وذلك في سني الفاقة والعوز». فيما يقولُ علَّامة الجزيرة العربية، الشيخُ حمد الجاسر، في «سوانح الذكريات»: «أما الرزُّ فلم ينتشر استعمالُه عند فلاحي نجد، إلا بعد منتصف القرن الماضي مع أنَّه كان يزرعُ بالأحساء. وأولُ ما عُرف منه نوعٌ كان يأتِي من العراق يُسمى الهبيش، ذو قشرة خشنة، ويدعى التمن أيضاً».

مؤرخُ العقيلات، الأستاذ عبد اللطيف الوهيبي، ذكر ثلاثةَ من رجال العقيلات كانوا من أوائل من أدخل الرزَّ لنجد، أحدهم العقيلي عبد الرحمن بن حمد البسام، قدم والده لعنيزة عام 1179 هـ، فجلبَ من الهندِ عدداً من البضائع بينها الرُّز، فاعتبره الوهيبي في حديث للكاتب: «من أوائل من جلب الرز للقصيم. وكذا العقيلي، محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد البسام، الذي كان يتاجر بين الهند والخليج والقصيم؛ (من أوائل من جلب الرز للقصيم). ثم العقيلي، محمد بن صالح العسافي آل أبو عليان، (1220 - 1310هـ)، الذي اعتبره الوهيبي أيضاً: «من أوائل من جلب الرز للقصيم».
 

 

أما الحجاز، فجاءَه بالرزِّ حُجاجُ آسيا الوسطى، وشبه القارة الهندية، فالطبيعي أن يكون الحجازُ أقدمَ عهداً بالرزِّ من نجد.

شارك الحُجَّاج والمجاورون للحرمين الشريفين، من أصول آسيا الوسطى والهند ونحوها، في الإسهام بنقلِ الرزّ، كما أضافَ عليها حُجاجٌ متنوعو الأصولِ، باختلاف ثقافاتهم، بُعداً ثرياً، وجمالياً، فأصبحت هذه الأكلات، طبخاتٍ حجازيةً، وبالتالي سعودية، في صورة من صور تلاقح الشعوب، وتواصل الثقافات.

في الخمسين سنة الماضية، أصبحّ الرزُّ الطبقَ الرئيسيَّ للمائدة الخليجية، والسعودية بخاصة. لذلك ولما يزيدُ على عقدين من الزمان تقريباً، فالسعودية إحدى أكبرِ خمسِ دول تستورد الرزَّ سنوياً، وبلغَ متوسطُ استهلاكِ الفرد السعودي من الرز، نحو 47 كغم سنوياً، في إحصائية ظهرت 2017.

في 2007، شَحَّ مخزونُ الرزِّ في السعودية، فقفزت بجنون أسعارُ الرُّزّ الموجود في السوق، وتحوّلت القصة، إلى قضية رأيٍ عام. فسُئل وزيرُ التجارة، آنذاك، المهندس هاشم يماني، عن الموضوع، فأفادَ بأنَّ على المستهلك لمواجهةِ نقصِ المعروض، وارتفاع الأسعارِ، «أن يُغَيِّر عاداتِه الغذائية». ورغم صوابِ رأيه، إجمالاً، فإنَّه ليس مما يُقال للناس حال أزمتِهم. فلقيَ تصريحُ الوزيرِ السابق، ردودَ فعلٍ سلبية من فئات مجتمعية مختلفة. أسوقُ القصةَ للدلالة على تعلُّقِ الناسِ بهذه الوجبة، لدرجةٍ رُبَّما يَصعبُ وصفُها بدقة، للبعيد عن الأجواء.

ومن الطريف أنّي، مثلَ غيري، من السعوديين الذين لم يعيشوا ما قبل الطفرة، كنتُ أحسبُ الكبسةَ سعوديةً صرفة! ولم يَعِن لي، مثلاً، أنَّ الرُّزَّ الكابلي، ولا يزال بالاسم نفسِه في السعودية، ينتسبُ للعاصمة الأفغانية كابل، وأنَّ الرُّزَّ البُخاري، ينسَب إلى إقليم بخارَى في أوزبكستان. ولما انتشرت مطاعمُ الرُّز البخاري بالسعودية، مع توافدِ العمالة للبناء في الستينات والسبعينات، أَذكُرُ أنّي كنتُ أظنُّ تسميةَ المطعم، عائدة إلى المحدث الإمام البخاري، صاحب «صحيح البخاري»، وأتساءلُ بتعجبٍ: لماذا لا توجدُ مطاعمُ تحملُ اسمَ الإمام مسلم، صاحب «صحيح مسلم»!

عَلِمت بعدها بسنوات، أنّي كنتُ أرتعُ في جهلي، والحمد لله على كلّ حال.

كانت مطاعمُ البخاري، لا تخدمُ عادةً إلا الفئةَ المتوسطة، وما دونها، اقتصادياً. ولكونِ الحاجةِ تفتقُ الحيلةَ، فمع تعليمِ المرأةِ بالسعودية، ثم عملها في التدريس خصوصاً، واجهت المعلماتُ مشكلةً في تحضير الغداءِ لأسرهن، فورَ خروجِهم من الدوام، وجرتْ محاولاتٌ للتحايلِ على الإشكال، بتحضيرِ نصفِ الطبخة ليلاً، كقلي البصلِ والطماطمِ، ثم إضافة الدجاجِ عليه، وفي اليومِ التالي يسخَّنُ ما طُبخ، ويُطبخ الرزُّ على مرقة الدجاج. كما استخدمَ البعضُ لطبخ الرُّزَ قدرَ الضغط، الذي يعجِّلُ وقتَ الطبيخ.

في الثمانينات الميلادية هَبَّتْ ظاهرة، كأنَّها خُلقت للمعلمات، إذ افتتحت مطاعمُ للأكل الشعبي، على مستوى راقٍ من الخدمات، والذوقِ الرفيع، وباتت تقدّم كلَّ أنواعِ الطبخِ السعودي، كالسليق، المشهور بمكة والطائف، والجريش، والقرصان، المشهورين بنجد، بالإضافة إلى الإضافات الحضرمية على المطبخ السعودي، المتمثلة بالمندي، والمضبي، والحنيذ، والمدفون، والمضغوط. وحينَها ظهرَ طبقٌ أظنُّهُ كانَ مُبتَكراً، وهو «المثلوثة»، حيث يُوضَعُ الجريشُ في إناءِ التقديم، ثم فوقَه القرصان، ثم فوقَه الرزُّ، مع اللحمِ أو الدجاج. كانت هذه المطاعمُ، التي أبدع أوائلُ من طرح فكرتَها في الخروج من الصندوق، استثمارَهم، كانتْ نصيراً للمرأة العاملة، وانحسرت الخلافاتُ بين الزوجين إثر دعوته ضيوفاً في وقتٍ متأخر، فهذه المطاعم توفّر الوجبات للعشرات على الفور، و«مثل طبخ البيت»، كما كانَ شعارُ أحدِ أشهرها.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز الرُّزُّ طبق السعوديين الأول بعد العِز



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab