اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث!

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث!

 العرب اليوم -

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث

بقلم - تركي الدخيل

سَعُدْتُ قَبْلَ فَتْرَةٍ، بالوُقُوفِ عَلَى بَحْثٍ، صَغِير اَلْحَجْمِ، لَطِيف اَلْفِكْرَةِ، رَشِيق العبارة، أثَّر ظَرْفُ مَوْضُوعِه عَلَى سَلَاسَةِ صِيَاغَتِهِ، إِلَّا أَنَّ لُطْفَ اَلْمَوْضُوعِ، وَقِلَّةَ اَلسَّابِحِينَ فِي لُجَّتِهِ، لَمْ يَمْنَعا اَلْبَاحِثَ، اَلدُّكْتُور إِبْرَاهِيمَ اَلْمُدِيهْش، مِنْ اِسْتِخْدَامِ اَلْمَنْهَجِ اَلْعِلْمِيِّ فِي بَحْثِهِ، فَلَا يُثْبِتُ مَعْلُومَةً بِلَا دَلِيلٍ، وَلَا يُسْتَدِلُّ بِمَا لَا يَصِحُّ العَزُّو إِلَيْهِ. اَلْبَحْثُ اَلَّذِي يَقَعُ فِي نَحْوِ 90 صَفْحَة، بَعْدُ تَطْوِيرِهِ، وَالْبِنَاءِ عَلَى أَصْلِهِ، يَوْمَ كَانَ وُرَيْقَاتٍ مَعْدُودَةً قَبْل سَنَوَاتٍ، يَتَحَدَّثَ عَنْ: «السَّمْبُوسَة فِي كُتُبِ التُّرَاثِ»، نَاقِلاً تَسْمِيَتهَا: اَلسَّمْبُوسَة، وَالسِّنْبُوسَة، وَالسِّنْبُوسْكْ، وَالسِّنْبُوسَقْ، وَالسِّنْبُوسجْ، وَالسِّنْبُوسِجَة، مُبَرِّراً تَعَدُّدَ اَلْأَسْمَاءِ بِأَعْجَمِيَّة اَللَّفْظَة، مَا يُتِيحُ مِسَاحَاتٍ مِنْ اَلْحَرَكَةِ، فِي نَقْلِ اَلْكَلِمَةِ لِلُّغَاتِ الثانية. اَلسَّمْبُوسَة، انْتَقَلَتْ مِنْ اَلْفُرَسِ إِلَى اَلْعَرَبِ، فِي الدَّوْلَةِ اَلْعَبَّاسِيَّةِ، ضِمْنَ أَطْعِمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَأَوَّلُ ذِكْرِ لَهَا وَقَفَ عَلَيهِ اَلْبَاحِث، أَوَّل اَلْقَرْنِ اَلثَّالِثِ اَلْهِجْرِيِّ، فِي قَصِيدَةِ إِسْحَاقْ اَلْمَوْصِلِي (ت 235 هـ).

وَالسِّمْبُوسَة، أَكْلَةٌ يَكْثُرُ تَنَاوُلُهَا فِي رَمَضَان، وَهِيَ مِنْ اَلْأَطْبَاقِ اَلرَّئِيسِيَّةِ، عَلى مَائِدَةِ إِفْطَارِ بُيُوتِ اَلسُّعُودِيَّةِ. يُعَرِّفها اَلْبَاحِثُ، بِقَوْلِهِ: «هِيَ عَجِينٌ، مَحْشُوٌّ بِاللَّحْمِ واَلْخُضْرَاوَاتِ، شَكلُهَا مُثَلَّثٌ، وَتُقْلَى بِالزَّيْتِ». ليتَ اَلْبَاحِثَ اَلْكَرِيمَ، اِسْتَبْدَلَ وَاوْ اَلْعَطْفِ بـ«أَوْ»، فَمِنْ اَلسَّمْبُوسَة مَا لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ. يَقُولَ اَلْمُدِيهْش: «هَذِهِ اَلْأَكْلَةُ اَلْعَجِيبَةُ اَلْفَارِسِيَّةُ، هِيَ اَلْوَحِيدَةُ اَلْمُعَمِّرَةُ: بِاسْمِهَا، وَوَصْفِهَا، وَمَضْمُونِهَا، لَا أَعْرِفُ لَهَا مَثِيلاً، عُمْرُهَا أَكْثَرُ مِنْ 1200 سَنَةٍ». وَمَعَ أَهَمِّيَّةِ اَلْمَعْلُومَاتِ اَلْوَارِدَةِ فِي اَلْجُمْلَةِ اَلسَّابِقَةِ، إلَّا أَنَّ فِيهَا تَعَسُّفاً، فَنَفِي مَثِيلهَا، يَحْتَاجُ مَزِيداً من الاسْتِقْصَاء، وَإِنَّ رَبطَ اَلْبَاحِث اَلْمَعْلُومَة اَلْأَكِيدَة بِحَدِّ عِلْمِهِ! وأَكَدَ الباحث، عَلَى رَدِّ اِبْنْ قُتَيْبَة عَلَى اَلشُّعُوبِيين الَّذِينَ يُعّيِّرُونَ اَلْعَرَبَ بِخُبْثِ اَلْمَطْعَمِ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ فَضَائِلَ اَلْعَرَبِ مُسْتَفِيضَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، لَكِنَّ اَلْإِنْصَافَ يَقْتَضِي الاعتِرَافَ بأَنَّ اَلْعَرَبَ اَلْمُتَقَدِّمِينَ، كَانَتْ مَائِدَتُهُم فَقِيرَةً، لِأَنَّ إِنْسَانَ اَلْجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ، كيَّف نَفْسَهُ بمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ وُعُورَةِ أَرْضِهِ، وَصُعُوبَة حَيَاتِهِ، فَكَانُوا يَكْتَفُونَ مِنْ اَلطَّعَامِ بِمَا يُقِيمُ صُلْبَهُمْ، تَخْفِيفاً، وَنُدْرَةً، وَخُصُوصاً وَالطَّعَامُ مُرْتَبِطٌ فِي اَلْأَغْلَبِ اَلْأَعَمِّ، بِالْخُضْرَاوَات، وَالْحُبُوبُ، وَهِيَ شَحِيحَةٌ إِذَا وَافَقَ اَلْعَصْرَ قَحْطٌ، وَعَزَّت السَمَاءُ بِغَيثِها. وَهَذَا لَا يَعِيبُ اَلْعَرَبَ، بِحَالٍ، بَلْ يُمَيِّزُهُمْ، فَالتَكَيُّف معَ الوَاقِعِ لُبُّ العَقلِ.
يَقُول الدكتور جَوَاد عَلِي، فِي كِتَابِهِ اَلْبَدِيعِ: «اَلْمُفَصَّل فِي تَارِيخِ اَلْعَرَبِ قَبْلَ اَلْإِسْلَام»: «يَخْتَلِفُ أَكْلُ اَلْعَرَبِ عَنْ أَكْلِ اَلْأَعْرَابِ. (...) وَأَكْلُ اَلْحَضَرِ، مُتَنَوِّعٌ، نَوْعاً مَا، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَأْكُولِ أَهْلِ اَلْوَبَرِ. لِفَقْرِهِمْ وَلِشُحِّ بَادِيَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ صَارَ طَعَامُ اَلْأَعْرَابِ عَلَى اَلْعُمُومِ بَسِيطاً. وَقَدْ أَثَّرَ اخْتِلَافُ نَوْعِ اَلطَّعَامِ عَلَى هَيْئَةِ اَلْإِنْسَانِ وَوَزْنِ جِسْمِهِ. فَصَارَ جِسْمُ اَلْأَعْرَابِيِّ نَحِيفاً فِي اَلْغَالِبِ، لِبَسَاطَةِ أَكْلِهِ، وَقِلَّة اَلْمَوَادِّ اَلنَّشَوِيَّةِ وَالدُّهْنِيَّةِ فِيهِ. وَمِنْ عَادَاتِ اَلْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُقِلُّونَ مِنْ اَلْأَكْلِ. وَيَقُولُونَ: اَلْبِطْنَةُ تَذْهَبُ اَلْفِطْنَةُ. (...). ويَعِيبُونَ اَلرَّجُل اَلْأَكُول اَلْجَشَع. وَيَرَوْنَ أَنَّ (اَلْأَزْم)، أَي قِلَّة اَلْأَكْلِ أَفْضَل دَوَاءٍ لِصِحَّةِ اَلْأَبْدَانِ. قِيلَ لِلْحَارِثِ بن كِلْدَة، طَبِيبُ اَلْعَرَبِ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ: مَا أَفْضَلُ اَلدَّوَاءِ؟ قَالَ: اَلْأَزْم..(...) وَهُمْ يُعَالِجُونَ اَلْبِطْنَةَ بِالْحِمْيَةِ. لِأَنَّ اَلْمَعِدَةَ بَيْتُ اَلدَّاءِ وَالْحِمْيَة رَأْس كُلِّ دَوَاء. وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ اَلشبَعَ وَالِامْتِلَاءَ يُضْعِفان اَلْفِطْنَةَ. أَيْ اَلشَّبْعَانَ لَا يَكُونُ فَطِناً لَبِيباً. فَلِلْأَكْلِ عَلَاقَةٌ كَبِيرَةٌ بِالْفِطْنَةِ وَالْعَقْلِ وَالذَّكَاءِ». وَيَزِيدَ أُسْتَاذُ اَلْمُؤَرِّخِينَ، جَوَّادْ عَلِي: «وَمَآكِلُ اَلْأَعْرَابِ قَلِيلَة شَحِيحَة مِثْل شُحِّ اَلْبَادِيَةِ، خَاصَّةً إِذَا انْحَبَسَ اَلْمَطَرُ وَهَلَكَ اَلزَّرْعُ. فَإِنَّ رِزْقَهُ يَقِلُّ وَقَدْ يَذْهَبُ مَا مَعَهُ مِنْ زَادٍ فَيَهْلَكُ خَلْقٌ مِنْ اَلْأَعْرَابِ مِنْ شِدَّةِ اَلْجُوعِ». قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَ: «اَلْهُبَيْد، وَالضِّبَاب، وَالْيَرَابِيع، وَالْقَنَافِذ، وَالْحَيَّات، وَرُبَّمَا وَاَللَّهِ أَكْلَنَا اَلْقَدَّ، وَاشْتَرَيْنَا اَلْجِلْدَ، فَلَا نَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَحَداً أَخْصَب مِنَّا عَيْشاً». قال سعد بن أبي وَقّاص: «وَاللهِ إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ، إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهَذَا السَّمرُ». وفي «البخلاء» وضع الجاحظ، فصلاً عن علم العرب في الطعام، وقال: «وقد يصيب القوم في باديتهم ومواضعهم من الجهد ما لم يُسمَع به في أُمّةٍ من الأمم، ولا في ناحية من النواحي. وإن أحدهم ليجوع حتى يَشدَّ على بطنه الحجارة، وحتى يعتصم بشدة معاقد الإزار، وينزع عمامته من رأسه فيشدّ بها بطنه». أما الأصمعي، فجسدت عبارته ما مَرَّ من معنى، بقوله: «نِعمَ الإِدامُ الجوع. ونِعمَ شِعَارُ المسلمين التخفيف».
وَلَئِنْ كَانَ اَلْعَرَبُ قَانِعينَ بِقَلِيلِ مَا لَدَيْهِمْ، وَقْت اَلْعَوَزِ، فَهُم اَلْآنَ وَمُنْذُ أَزْمَانٍ، يَنْفَتِحُونَ عَلَى اَلثَّقَافَاتِ المُختَلِفَةِ، فَيَأْخُذُونَ اَلْكَثِيرَ مِنْهَا، حَتَّى اعْتَبَرُوا مَا أَخَذُوهُ مِنْ أَطْعِمَةِ غَيْرهمْ، طَعَاماً لَهُمْ، فِي سُلُوكٍ مُتَحَضِّرٍ، يَعْتَرِفُ بِالْمُشْتَرَكِ اَلْإِنْسَانِيِّ، مما يَسْتَوْجِبُ مُبَادَرَاتٍ مُنْفَتِحَة، تُقَرِّبُ الْأُمَمَ، وَتُعَرِّفُ اَلشُّعُوبَ بِثَقَافَاتِ غَيْرِهَا، وَهُوَ مِنْ أَسَاسَاتِ احْتِرَامِ اَلْآخَرِ، وَسَبَبٌ لِلِاسْتِفَادَةِ مِمَّا تَتَفَوَّقُ بِهِ حَضَارَةٌ عَلَى أُختِهَا.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab