في الخَمر معنى ليس في العِنب

في الخَمر معنى ليس في العِنب!

في الخَمر معنى ليس في العِنب!

 العرب اليوم -

في الخَمر معنى ليس في العِنب

بقلم:تركي الدخيل

من قُوّة الشعر العربي أنّ معانيَ القصيدة منه تَتَجَوْهر دَلالاتُها كلُّها في بيتٍ واحدٍ يُسمّى بيت القصيد، ومن قوّة دَلالةِ بيت القصيد أنَّ الشاعرَ يُقطِّرُ رحيقَ ذاك البيتِ في عَجُزِه، فإذا هو رحيقٌ لغويّ مركَّزٍ يُلهبُ الذِّهنَ ويَعْلَق بالمُهَجِ. ومن أمثلة ذلك أعجازُ أبياتٍ كثيرة لأبي الطيب المتنبي، وقد ذهبت أمثالاً، وسارت بها الركبان، ومنها قوله:

فَإِنَّ فِي الخَمْرِ مَعنىً لَيْسَ فِي العِنَبِ

ومن بديعه في هذا العَجُزِ أنَّه ميّز فيه بنباهةٍ بين عُنصرَيْ الخمر والعنب، على أساس اختلاف معناهما، وليس من جهة اختلاف النتيجة منهما، وتباين الأثر.

فقد استخدم المتنبي «المعنى» للتعبير عن التباين بين مفهوميْ العنصريْن، ولم يستخدم «الأثر»، الذي يُخَلِّفه الخمرُ، مثلاً، للتفريق بينه وبين العنب، بناء على ما يتركه تناول كلٍّ من النوعين من نتيجة وأثرٍ في مَن يتناولهما.

ويبدو لي أنَّ ثمة مقصداً دَلالياً آخر، في هذا البيت الفريد، ومن فرادته، أنَّ مَن يستمع إليه لأول وهلة، يظنّه يدور في فلك العادي، فمن المعلوم من الأشياء بالضرورة أنَّ الخمر مختلفة في مادتها، ونتيجتها، عن العنب، اختلافاً بيّناً، يشبه الاختلاف بين الحلال والحرام.

لكن ما لا يفطن له من لا يتأمل ما وراء الصورةِ الظاهرة للقول، أنَّ الخمر جزءٌ صغيرٌ من الكل الكبير؛ أي العنب، إذ الأول مستخرج من الثاني، لكن معنى الصغير المنبثق من رحم الكبير مختلف حدَّ التناقض عن معنى الكبير، بل ومخالف له.

يقول الله تعالى في كتابه: «يُخرج الحي من الميت ومُخرِجُ الميت من الحي» (الأنعام- 95). ولأنّ مكمن حياة الحيِّ حركتُه وتجدُّده ونشاطه، فيما لُبُّ موت الميت في كونه هامداً خامداً ساكناً، ظهر التباين بين اللفظين، رغم اقترانهما ببعضهما بعضاً في السورة، وهو ما يشبه التباين بين الخمر والعنب، واقترانهما ببعضهما البعض في سياق عَجُز بيت المتنبي.

ومن عجيب بلاغة النص القرآني في هذه الآية استخدامُه من جهة أولى الفعلَ «يُخرج» للتعبير عن تلك الحركة التي يأتيها الحي أثناء خروجه، فيتحوّل من حيّز المفعولية إلى حيز الفاعلية، واستخدامُه الإضافة للاسم (مُخرِجُ الميتِ) من جهة ثانية للدلالة على عدم فاعلية الميت، إذ الفعل يدل على الحركة، في الحي، بينما تُحيل الإضافة إلى السكون في الميت. وفي أفق هذه البلاغة يتنزّل استعمال المتنبي للخمر والعنب.

فالأثر، ولو كان تعبيره حادًّا أو فاضحاً، إلا أنَّه لا يستطيع الوصولَ إلى هذه الإثارة، من دون الاستنادِ إلى رُكنِ المعنى، ولذلك قصدَ المتنبي التركيزَ على المعنى في أصلِ الفرق بين عُنصريْ الخمر والعنب.

وفي الالتفات إلى قيمة المعنى، لا إلى أثره، يقول أبو الطيب، مادحاً:

ولَولَا كَونُكُم فِي النَّاسِ كَانُوا

هُذَاءً كَالكَلَامِ بِلَا مَعَانِي

حقًا... الكلام بلا معانٍ، جعجعة بلا طَحْنٍ.

 

arabstoday

GMT 05:42 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

حرب غزة... مأزق «حماس» وإسرائيل معاً

GMT 05:37 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

GMT 05:28 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

تخصيب اليورانيوم

GMT 05:26 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

أمان الطرق

GMT 05:25 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

هل تصمد هارفارد؟!

GMT 05:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«فرحًا مع الفرحين»... عيد قيامة مجيد

GMT 05:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

مظلومية سائق التاكسى 3

GMT 05:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

سليمان عيد... أطل من ثقب إبرة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الخَمر معنى ليس في العِنب في الخَمر معنى ليس في العِنب



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:42 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
 العرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"

GMT 01:47 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

صلاح دياب كاتبا

GMT 02:59 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

الخاسر الأكبر من النزاع في السودان

GMT 12:16 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 06:25 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

زيارة سعوديّة مفصليّة لطهران

GMT 19:28 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 07:25 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مي كساب تستأنف تصوير "نون النسوة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab