كشفُ اللثام عن عذب الكلام

كشفُ اللثام عن عذب الكلام!

كشفُ اللثام عن عذب الكلام!

 العرب اليوم -

كشفُ اللثام عن عذب الكلام

بقلم -تركي الدخيل

لما كان «المرء بقلبِه ولسانه»؛ فإنَّ «لسان العاقل وراء قلبه، فإذا أراد أن يتحدَّثَ، عرض كلامه على قلبه، فإنْ كان الكلام له؛ أمضاه، وإن كان عليه أمسك عنه»، كما قالت العرب.
إنَّ للسان حِليةً، وللكلام جمال، وللمنطق زينة؛ وإنَّما يتمايز حديث الخلق، بحُسن الألفاظ، وانتقاء أطايبِ الكلمات، وجواهر الجُمَلِ والعِبارات.
تكلَّم رجلٌ في مجلس عبد الله بن عباس، فخلط، فقال ابن عباس: «بكلام مثلِك رزق الصمت المحبة».
اعتبر الثعالبي أنَّ أفضلَ وصفٍ مُطرِبٍ للكلام المعجب، كان للصَّاحب بن عباد (ت 385 هـ) فمنه قوله: «ألفاظٌ لها من الهواءِ رِقَّتُهُ، ومن الماءِ سلاستُه، ومن الشَّهدِ حَلَاوتُه».
قال الثعالبي في كتابه (من غابَ عنه المطرب): «ليس لواحد من الوصف المطرب للكلام المعجب ما للصاحب أبي القاسم بن عباد... فمن مختار ذلك: «ألفاظ كغمزات الألحاظ، ومعانٍ كأنها قلب عان. استعارت حلاوة العتاب بين الأحباب، واسترقت تشاكي العشاق يوم الفراق. وألفاظ لها من الهواء رقته، ومن الماء سلاسته، ومن سحر نفثتُهُ. ومن الشهد حلاوتُه. كلام كبُرد الشباب، وبَرد الشراب. كلام يهدي إلى القلوب روح الوصال، ويهبُّ على النفوس هبوب الشمال. ألفاظ حسبتها لرقتها منسوخة من صحيفة الصبا، وظننتها لسلاستها مكتوبة من إملاء الهوى. كلام كما هبَّ نسيم السحر، على صفحات الزهر، ولذّ طعم الكرى بعد برح السهر. كلام يقطر صرفاً، ويمزج الراح لطفاً، كلام كنسيم وعهد الصبا. كلام هو سَمَر بلا سهر، وصفو بلا كدر».
ومن جميل قول إبراهيم بن سياه الأصفهاني، في وصف جميل اللفظ:
«ويسوغُ في أُذُنِ الأديب سلافُهُ
فكأنَّ لفظَك لؤلؤٌ متنخلٌ
وكأنَّما آذانَنا أصدافُه»
ومن ذلك قول الصاحب بن عباد لـ«القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز»:
بالله قلْ لي أَقرطاسٌ تخطُّ به
في حُلةٍ هُوَ أَم أَلبَستَهُ الحُلَلا؟
بالله لفظُك هذا سالَ من عسلٍ
أم قد صببتَ على أفواهِنا العسلا؟
أمَّا المأمون، فعَرَّف البليغ، بأنَّه: «من كان كلامه في مقدار حاجته، ولا يجيل الفكرة في اختلاس ما صعب عليه من الألفاظ، ولا يتعمَّد الغريب الوحشي، ولا الساقط السوقي».
ولو فتَّشنا، فيمن يحيط بنا، من أقارب، وزملاء، وأصدقاء، لوجدنا تفاوتاً هائلاً بينهم، في مقدار ما يتحلَّون به من حلية اللسان، ومجملات الكلام، وزينة المنطق، ولرأينا في الناس من يقول، فيفصح عما يريد، لا يزيد ولا ينقص، ومن يتكلَّم كثيراً، فلا يقول شيئاً، ومن يقول الكلمتين والثلاث، فتقع من السامعين موقع الخطبةِ الكاملة.
ومجال القول ذو سعةٍ، إنْ أردنا أنْ نتحدَّث، عن الكلام، وما يزينه... وكما لا يمكن لأحدٍ أن يختصرَ الربيع في زهرة، فإنَّه لا يسع أحداً أن يختصر وصايا الحكماء في مقالة.
وما أجملَ شروط الكلام التي أوردها الماوردي (ت 450 ه) معتبراً المتكلم لا يسلم من الزلل، إلا بها، ولا يجانبه النقص، إلا باستيعابها، وهي أربعة:
1. أن يكونَ الكلام لداعٍ يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع وإما لدفع ضرر.
2. أن يأتيَ به في موضعه، ويتوخَّى به إصابة فرصته.
3. أن يقتصرَ منه على قدر حاجته.
4. أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به.
وإذا كانت اللغة صندوقاً، والكلمات أدواتٍ، فإنَّ على المرء أن ينتقي من صندوق لغته أنسب كلمات لقصده، فلسانُ المرءِ دليل عليه، وكلماته أمارة على مبلغه من الفضل أو النقص، ومِن أمارات التهذيب، أن يحرص المرء على كل كلمة تخرج من فمه، فلا يكون فيها أذى، ولا جرح، ولا امتهان لقائل، ولا لسامع.
هذه، سادتي، بعضُ زينةِ المنطق، وحلية البيان، وجمال اللسان، أرجو لي ولكم منها أوفر حظ، وأعظم مقدار.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كشفُ اللثام عن عذب الكلام كشفُ اللثام عن عذب الكلام



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab