بيضٌ صنائعُنا

بيضٌ صنائعُنا!

بيضٌ صنائعُنا!

 العرب اليوم -

بيضٌ صنائعُنا

بقلم : تركي الدخيل

بِيضٌ صَنائعُنَا سودٌ وقائعُنَا

خُضرٌ مرابعُنَا حُمرٌ مَواضِينَا

هذا البيتُ من أشهرِ أبياتِ الفخرِ العَربيةِ، للشَّاعرِ صَفِيِّ الدين الحِلِّي (677 - 750 هـ = 1278 - 1349م)، شاعرِ زمنِه، وهو من الحِلَّة: منطقة بين بغدادَ والكوفة.

وبيتُ القَصيدِ ضمنَ قَصيدةٍ قِيلَ أنَّ صَفيَّ الدين الحِلّي قالَها بعدَ غَزوِ التَّتارِ بغدادَ، وكَانَ أرادَهَا لاستنهَاضِ الهمم، وسَلكً فيهَا طَريقَ الفَخرِ لهذهِ الغَايَة.

وبيتُ القَصِيدِ، بيتٌ مُلَوَّنٌ، ذَكَرَ فيه الشَّاعِرُ جَمعَ: اللَّونِ الأبيَضِ، والأسوَدِ، والأخضَرِ، والأحْمَرِ.

واسْتِخدَامُ الألوَانِ للتَّعبِيرِ عن وَصْفِ الحَالِ دَارِجٌ عندَ العَرب. في القرآن الكَرِيم: «يومَ تبيَّضُ وُجوهٌ وَتَسوَدُّ وُجُوه»، يوم القِيامَةِ تَبيَضُّ وُجُوهُ المؤمنينَ وتَسوَدُّ وُجُوهُ الكَافِرِينَ والمُنَافِقينَ.

قولُه: سُودٌ مَوَاقعُنَا: مَواقعُ جَمعُ مَوقِعةٍ وهيَ المَعاركُ، وَوصفُ وقائعِ القتالِ بالسُّودِ يعنِي أنَّكَ أذقتَ خصمَكَ الوَيلَ والثُّبورَ والهَزيمةَ والخذلانَ، وأنَّ المَواقِعَ ذات بأسٍ شديدٍ، ولكنَّنا لا نهَابُهَا، بل نقتحمُهَا بكلّ شَجَاعَةٍ.

وفي عَجْزِ البَيتِ: أرَادَ الشَّاعرُ أن يُبَيّنَ أنَّ مَنْ يُقدّمُ فعالَ الإحسَانِ ويهزمَ أعداءَه هزيمةً نَكراءَ، لابدَّ أنْ يكونَ حَصَادُهُ وَفيراً، وتكونُ مرابعُه التي يرتَعُ فيهَا ذاتَ خِصبٍ عَظيمٍ. فاللونُ الأخضَرُ يدلُّ علَى الرَّخَاءِ والنَّمَاءِ والخِصْب.

ومَرابِعُ: جَمعُ مَرْبَعٍ، حيثُ تَرعَى الدَّوَابُ في الرَّبيع تَحديداً.

حُمرٌ مَواضِينَا: تَعنِي أنَّ سُيوفَنَا حَمراءُ بدِمَاءِ عَدوّنَا، وسَمَّى السُّيوفَ مَوَاضيَ، لأنَّهمْ كَانوا يُمضُونَهَا في ضَرْبِ وإدْمَاءِ العِدَا. والمَوَاضِي: جَمْعُ مَاضِية، أمضَى سيفَه: أعملَهُ ضَرباً في العَدوّ وقتلا.

وفِي بعضِ المناطقِ العربية يقولونَ: امضِ السّكينَ بمعنَى اشحذْهُ.

وقولُه: بيضٌ صنائعُنَا: كَنَّى بِهِ عن صُنعِ المَعروف. ويقولونَ: «صَنائعُ المَعروفِ تَقِي مَصَارعَ السُّوء».

وَسُودٌ وقائعِنا: كِنايةٌ عن خوضِ الحُرُوب.

خُضرٌ مَرابعُنا: عن الخِصبِ العَظيم.

وحُمرٌ مَواضِينَا: عنِ الشَّجاعَةِ والإقدَامِ.

وإذْ أنَّ معظمَ أعْلَام الدّولِ العَربيَّةِ في ألوانِها الأبيض والأسود والأخضر والأحمر، قيلَ إنَّ هذه الألوانَ اشتقَّتْ من بيتِ الشّعرِ المَذكور. وقيلَ إنَّها أُخِذتْ من علَمِ الثورةِ العربيةِ الكبرى ضد الدَّولةِ التركية، واستخدم فيه الأخضر استلهاماً من دولة الخلافة الرَّاشدة ولونِ آل البيت. واللون الأسود من رايةِ بني العَباس، وقبلهم كانت رايةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم سوداءَ. واللون الأبيض من رايةِ الدولةِ الأموية. واللون الأحمر من رايةِ الهاشميين وكانت حمراءَ.

والأبيضُ والأسودُ لونان يعبر الأول فيهما عن العملِ الصَّالح، والثاني عن سوءِ نتيجة من لم يقدم لنفسِه عملاً يجعله ينالُ نجاحاً.

وفي العاميةِ الخليجيةِ يسأل الناسُ عن بعضِهم بعضاً بقولهم: (وش لونك)، أي: ما لونُك؟ والمقصدُ كيف حالك. وأصلُها عراقيةٌ امتدَّت لتكونَ لغةً مستخدمةً في دول الخليج العربي كلها. ويُقال إنَّ سببَها أنَّ بغدادَ أصيبت في القرنِ السابعَ عشرَ بطاعونٍ، جعلَ المصابَ بالوباءِ يمرُّ بثلاثِ مراحلَ من المرض، أحدُها يكون لونُ جسِمه فيه أحمر والثاني أصفر، والثالث أزرق. ومن يتلوَّن بأول لونين يمكن أن يُشفى أما ثالث لون فمصيره الهلاك. ويدعو الناس للأولين بالسلامة والشفاء، وللأخير بالرَّحمة وحسنِ الخاتمة.

ومِن لطفِ اللهِ أن رفعَ البلاءَ وصرف الوباء. انتهى الطاعون، لكن التساؤل:( وشلونكم؟) بَقيَ لهجةً يُقصد بها السؤال عن عمومِ الحال

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيضٌ صنائعُنا بيضٌ صنائعُنا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab