وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

 العرب اليوم -

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

بقلم : تركي الدخيل

لشاعر النبي صلى الله عليه وسلم، حسّان بن ثابت الخزرجي الأنصاري، من قصيدة قالها يوم السرارة، رداً على شاعر الأوس قيس بن الحطيم. ومن قصيدة حسّان في يوم السرارة، بيت يقول فيه:

وَإِنِّي لَحُلْوٌ تَعْتَرِينِي مَرَارَةٌ * وَإِنِّي لَتَرَّاكٌ لِمَا لَمْ أُعَوَّدِ

ويوم السرارة كان قبل الإسلام، وفيه وقعت حرب ضروس بين قبيلتي المدينة: الأوس، ويمثلهم بني عمرو بن عوف، والخزرج ممثلين ببني الحارث، وكان النصر فيها للخزرج. وبيت حسان بن ثابت يفخر فيه ويعدد خصاله، فيقول: إن في معظم حالاتي حُلوٌ، والحُلوُ: ضِدُّ المُرِّ، وأصل الحلو ما استخدم لتحليته العسل أو السُكَّر أو نحوهما. وعُممت كلمة حلو للتعبير عن الجميل، المستطاب، (هذه ليلة حلوة)؛ أي: رائقة، (رسم الفنان لوحة حلوة)؛ أي: جميلة. وقولهم: «لا تَكُنْ حُلْواً فتُؤكَل ولا مُرّاً فتُبْصَق. وإِنَّما وَقَعَ: لا تكُنْ حُلْواً فَتُسْتَرَط ولا مُرّاً فتُعْقَى. ومعنى تُعقى: تُلْفَظُ مِن المرارةِ، يُقالُ: قد أَعْقَى الشَّيءُ: إذا اشتدَّتْ مرارتُهُ. وقيل: معنى تُعقى: تُلفَظُ بالعُقْوَةِ، والعُقْوَةُ: ساحةُ الدارِ». (المدخل إلى تقويم اللسان)، لابن هشام اللخمي.

تعتريني: تزورني أحياناً، وتغشاني. يُقَال: عراه كَذَا واعتراه أَصَابَهُ وغشيه. مرارة: ضد حلاوة، والمُرُّ نقيض الحلو.

وقوله: (وَإِنِّي لَحُلْوٌ تَعْتَرِينِي مَرَارَةٌ ): كما يبدو مني لطف المعشر إلا أني إذا اضطررت بدا مني صلف وجفاء، فكما أنفع فإني أضر إذا استفزني أحد وأخرجني عن طبيعتي.

ومن المفارقات اللطيفة أن خصم حسّان بن ثابت في تلك المعركة له بيت في المعنى ذاته، يقول قَيْسُ بنُ الْخَطِيمِ الأَوْسِيُّ:

أَمُرُّ عَلَى الْبَاغِي وَيَغْلُظُ جَانِبِي * وَذُو الْوُدِّ أَحْلَوْلِي لَهُ وَأَلِينُ

يريد أنه يصبح مُرَّاً على الباغي: المعتدي، ويعامله بجفاء وشراسة، لكنه مع من يبادله الود والصفاء يحلو له، أي يتحول من المرارة إلى الحلاوة ليكون سائغاً لأهل الود. وقوله (وألين): يتحول من الغلظة وهي الخشونة، إلى اللين وهو غاية الرقة والطواعية.

وصرح قيس بمن يكون معه مُرَّ التصرف ومن يكون معه حلواً، فيما ألمح لهم حسان ولم يصرح بهم. قوله: (وإني لتراك لما لم أُعَوَّدِ): ترّاك، صيغة مبالغة لاسم الفاعل: تارك، والتارك، هو من يترك الشيء ويعرض عنه وينصرف عنه. وهو يعني هنا ترك السجايا التي لم يعتد عليها، ويقصد: أني اخترت لنفسي سجايا أرتضيها، واعتدت عليها، ولا أعاقر ما لم أعتد عليه من الأفعال، ولم أعتد عليه لأنه لا يناسبني.

وفي معنى قول حسان بيت المتنبي، القائل:

كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الأَنْـ* ــفُسِ سَهْلٌ فِيهَا إِذَا هُو كَانَا

قال ابن جني: «يَقُولُ: إنَّمَا يَصْعُبُ الأَمْرُ عَلَى النَّفْسِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَإذَا وقَعَ سَهُلَ ، وهَذَا نحو قَولِ الأَعْشَى:

لا يصْعُبُ الأَمْرُ إلَّا رَيثَ يَرْكَبُهُ * وكُلُّ أَمْر سِوى الفَحْشَاءِ يَأْتَمِرُ».

وقد حضر معنى بيت القصيد في أبيات كثيرة، منها قول كُثَيِّر بن عَبْدِ الرَّحْمنِ:

هُوَ الْعَسَلُ الصَّافِي مِرَارًا وتَارَةً * هُوَ السَّمُّ مَذْرُوراً عَلَيْهِ الذَّرَارِحُ

الذرارح: جمع ذرذح، دابة تكبر الذبابة قليلاً، تشوبها ألوان حمرة وصفرة وسواد، تطير بجناحين، وسمها قاتل.

وقول الرَّاعِي النُّمَيْرِي:

أَمُرُّ وَأَحْلَوْلي وَتَعْلَمُ أُسْرَتِي * عَنَائِي إِذَا جمرٌ لِجَمْرٍ توَقَّدَا

جمر لجمر توقدا: إذا ادلهمت الخطوب.

وغير بعيد عن ذلك، بيت لبيد بن ربيعة العامري:

مُمْقِرٌ مُرٌّ عَلَى أَعْدَائِهِ * وعَلَى الأَدْنَينِ حُلْوٌ كَالعَسَلْ

ممقر: شديد المرارة.

واشتقاقاً من المرارة الشديدة سُميت المرارة، وهي العضو الصغير في بطن الإنسان، وهو الذي يكون على شكل فاكهة الكمثرى، وموقعه تحت الكبد في الجانب الأيمن من البطن، وذلك لأن التهاب المرارة على صغرها فيه من الآلام ما يفوق المُرَّ، وفي اللهجة المحلية يُقال: (ممرور) للمقهور الذي يكثر تجرعه للمُرِّ. وقبالة الممرور تدفعنا سنن الحياة للاعتدال، فالإكثار من الحلو قد يصيب الإنسان بمرض السكري.

الاعتدال كفيل بمنحه منزلةً بين منزلتي التهاب المرارة والإصابة بالسكري، كفانا الله وإياكم الشرور.

arabstoday

GMT 12:25 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 12:24 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 12:21 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 12:16 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 12:15 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 12:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

السودان.. والخطر الحقيقى الذى يهدد المنطقة

GMT 11:51 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أطباء لا يفكرون فى الهجرة

GMT 11:50 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

هجرة الأطباء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:34 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

قطة تثير ضجة بين الصحفيين في البيت الأبيض
 العرب اليوم - قطة تثير ضجة بين الصحفيين في البيت الأبيض

GMT 09:17 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 15:06 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

الأمطار تسبب اضطرابات في شمال إيطاليا

GMT 15:05 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

ثلوج وأمطار كثيفة تضرب جنوب غرب سويسرا

GMT 15:04 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب إندونيسيا

GMT 07:39 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

وفاة الفنان المصري سليمان عيد

GMT 17:14 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

منذر رياحنة يتحدث عن علاقته بمصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab