فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

 العرب اليوم -

فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

بقلم : تركي الدخيل

 

وَبَيتُ القَصِيدِ، اليَومَ، فيه كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِي المَحَبَّةِ الخَالِصَةِ، وَالأُخُوَّةِ الثَّابِتَةِ، وَالصَّدَاقَةِ المَتِينَةِ، عِنْدَمَا تَمَنَّى الشَّاعِرُ أَنْ تَتَقَدَّمَ وَفَاتُهُ وَفَاةَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ:

إِذَا مَا أَتَى يَوْمٌ يُفَرِّقُ بَيْنَنَا

بِمَوْتٍ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

وَضِدُّهُ رُبَّمَا بَيْتُ الشّعْرِ المُتَنَازَعُ أيضاً علَى قَائِلِهِ:

كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ

وَنَحنُ إذَا مِتنَا أشَدُّ تَغَانِيَا

وَ(حَيَاتَهُ) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الخَافِضِ.

وَمِثلُ كَثِيرٍ مِنْ أَبْيَاتِ الشّعْرِ العَرَبِيّ، اختُلِفَ فِي نِسْبَةِ البيتِ، فنُسِبَ لِغَيرِ شَاعِرٍ، فَقِيلَ إنَّ قَائِلَهُ: حَاتِمٌ الطَّائِيّ، وَقِيلَ: الأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ، وَيُروَى البَيْتُ أيْضاً، مَنْسُوباً للأَغَرِّ بنِ حَابِسٍ العَبْدِيِّ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ الصُّولِي: إنَّ قَوْلَهُمْ: «قَدَّمَنِي اللهُ قَبْلَكَ» مَأخُوذٌ مِنَ البَيْت.

وَذَكَرَ ابْنُ رَشِيقٍ فِي «العُمْدَة» أَنَّ الكُتَّابَ أَخَذُوا قَولَهُمْ: «قُدِّمْتُ قَبْلَكَ» مِنْ بَيْتِ القَصِيد، وَنَسَبَهُ لِلأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ، أوْ لِحَاتِمٍ.

قَالَ أَبُو هِلَالٍ العَسْكَرِيّ: وَأَوَّلُ مَنْ أَشَارَ إلَى هَذهِ اللّفْظَةِ، فَأَخَذَهَا النَّاسُ مِنْهُ، حَاتِم الطَّائِيّ، وَأشَارَ إلَى أنَّ قَولَهُمْ: «قَدَّمَنِي اللهُ قَبْلَكَ» مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْتِ حَاتِمٍ.

وَأَبُو الطَّيّبِ يَقُولُ فِي لَحْظَةِ صِدْقٍ:

أَرَى كُلَّنَا يَبْغِي الحَيَاةَ بِسَعْيِهِ

حَرِيْصاً عَلَيْهَا مُسْتَهَامـاً بِهَا صَبَّا

ثُمَّ بيَّنَ أنَّ حُبَّ النَّفْسِ جَعَلَ الجَبَانَ يَتَّقِي القِتَالَ، والحُبَّ ذَاتَهُ أَوْرَدَ الشُّجَاعَ الحَربَ.

لَكِنَّ شَاعِرَنَا فِي بَيْتِ القَصِيدِ جَعلَهُ حُبُّهُ لِصَديقِهِ يَطْلُبُ مِنْهُ إذَا حلَّ فِرَاقُ المَوْتِ أنْ يَكُونَ هُوَ المتأخرَ، وَالمَعْنَى: أنْ يَكُونَ مَوْتُ الشَّاعِرِ قَبْلَ مَوْتِ الصَّدِيق!

فِي العَامِيَّةِ، يُقَالُ: «جعلْ يَومِي قَبلْ يَومكْ»، أيْ: جَعَلَ اللهُ يَوْمَ مَنِيَّتِي قَبْلَكَ، وَهُوَ مَعْنَى بَيتِ القَصِيدِ ذَاتُهُ.

هَلْ يُريدُ الشَّاعِرُ، وَالقَائِلُ، أنْ تَتَأخَّرَ وَفَاةُ الصَّدِيقِ، لِيَسْتَمْتِعَ بِالحَيَاةِ مُدَّةً أَطْوَلَ؟! أمْ يُرِيدُ أنْ يَرحَلَ قَبلَ صَاحِبِهِ، تَجَنُّباً لِآلَامِ فِرَاقِ الصَّدِيقِ؟!

يَظهَرُ أنَّ الخِيَارَ الثَّانِي أكْثَرُ حُضُوراً فِي الذّهْنِ... فَمِنَ المَقُولَاتِ فِي اللَّهْجَةِ العَامِيَّةِ قَوْلُهُمْ: «جعلني مَا أذوقْ حُزنكْ»، أيْ، لَا جَعَلَنِي اللهُ أذُوقُ حُزْنَ فِرَاقِكَ. وَالقَصْدُ: أنْ تَتَقَدَّمَ وَفَاةُ القَائِلِ وَفَاةَ السَّامِع!

وَكَمَا يفقِدُ المَرْءُ الصَّدِيقَ الوَاحِدَ، يُفْقَدُ الجَمْعُ مِنَ النَّاسِ إذَا رَحَلُوا، ويُحْزَنُ عَلَيْهِمْ.

رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ لَبِيدُ:

ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ

وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ

يَتَحَدَّثُونَ مَخَـانَةً وَمَلَاذَةً

وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ

قَالَتْ: «فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَ لَبِيدٌ قَوْمًا نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيهِمْ؟»...

قَالَ عُرْوَةُ: «كَيْفَ بِعَائِشَةَ لَوْ أَدْرَكَتْ مَنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِم؟»...

قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ عَائِشَةُ مَنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيهِمُ الْيَوْمَ؟».

قَوْلُهُ: «في خَلْفٍ»، يُقالُ: هو «خَلْفُ فلانٍ» لمن يَخْلُفُهُ مِنْ رَهْطِهِ، وَهَؤلَاءِ «خَلْفُ فلانٍ»؛ إذَا قَامُوا مَقَامَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَقَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ «خَلْفٌ» إلَّا فِي الشَّرِّ.

وَ«المَخَانَةُ»: مَصْدَرٌ مِنَ الخِيَانَة.

وَ«المِلْوَذُ»: الرَّجُلُ الَّذِي لا يَصْدُقُ في مَوَدَّتِهِ. (الكَامِل)، لِلْمُبَرّد. وَعِنْدَهُ:

أنَّ رَجُلًا قَالَ لِمَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فِي مَرَضِهِ:

لَوْلَا مَا مَنَّ اللهُ بِهِ مِنْ بَقَائِكَ، لَكُنَّا كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:

ذَهَبَ الّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ

وَبَقِيتُ فِي خَلفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ

فَقَالَ لَهُ مَعْنٌ:

إنَّمَا تَذْكُر أَنِّي سُدْتُ حِينَ ذَهَبَ النَّاسُ! فَهَلَّا قُلتَ كَمَا قالَ نَهارُ بنُ تَوْسِعَةَ:

قَـلَّـدَتْـهُ عُـرَى الأُمُـورِ نِـزَارٌ

قَـبْـلَ أَنْ تَـهْـلِـكَ الـسَّـرَاةُ البُـحُـوْرُ

arabstoday

GMT 18:16 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

‎لحظة الفطام من المعونة الأمريكية

GMT 18:14 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

أحلام أجيال الأهلى مشروعات عملاقة

GMT 08:57 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

شكسبير وعيد الحب

GMT 08:53 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

“شركة لتطوير المحافظات”.. والمدينة الجديدة!

GMT 06:33 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

شو الأخبار

GMT 06:30 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

ترمب... حاطبُ ليل أم الريح تحطّب له؟

GMT 06:29 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

ذئب ميونيخ... وتعدد الأسباب

GMT 06:28 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

يا مال الشام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ



GMT 10:29 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

حسين فهمي يشارك في مهرجان برلين وسط الثلوج
 العرب اليوم - حسين فهمي يشارك في مهرجان برلين وسط الثلوج

GMT 11:23 2025 الجمعة ,14 شباط / فبراير

عن قمة باريس للذكاء الاصطناعي

GMT 02:39 2025 الجمعة ,14 شباط / فبراير

سماع دوي أصوات انفجارات في العاصمة كييف

GMT 17:11 2025 الجمعة ,14 شباط / فبراير

وفاة الممثل والكاتب السورى هانى السعدى

GMT 13:02 2025 الجمعة ,14 شباط / فبراير

مبابي يعود لقيادة منتخب فرنسا في مارس رسميًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab