وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ!

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ!

 العرب اليوم -

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ

بقلم : تركي الدخيل

 

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلَالِ إِنْ كُنْتَ قَانِعاً

وَلَكِنَّ شُحَّ النَّفْسِ عِنْدِي هُوَ الفَقْرُ

فَالقَنَاعَةُ تَجعَلُ القَلِيلَ كَثِيراً، ويَعتبِرُ الشَّاعِرُ «شُحَّ النَّفسِ» - أي البُخْلَ - الفقرَ الحَقِيقِيَّ.

يقول الحَادِرَةُ:

إِنَّا نَعِفُّ فَلَا نُرِيبُ حَلِيفَنَا

وَنَكُفُّ شُحَّ نُفُوسِنَا فِي المَطْمَعِ

أي نَمنَعُ أنفسَنا من البُخْل، حينمَا يَطمَعُ القَومُ في كَرمِنَا.

وبيتُ القَصيدِ، لأبِي الأَصْبَغ، مُحمد بنِ يزيد بنِ مسلمة بنِ عبدِ الملكِ بنِ مروان بنِ الحكمِ، والشَّاعرُ معروفٌ بالمَسْلَمي، نِسبةً لجَدِّه مَسلَمة. ويُعرفُ أيضاً بالحِصنِيِّ، لأنَّه كانَ يسكنُ حِصنَ مَسلمةَ، وهي قريةٌ من إقليم بَلِيخ، من كورةِ الرَّقَّة، منْ ديارِ مُضَرَ.

لا يُعرفُ لِشَاعرِنَا مكانٌ ولَا سنةُ وِلَادةٌ، وَمَا اشتَهَرَ إلا قبلَ سَنةِ 210هـ، وذلكَ أَنَّ عبدَ اللهِ بنِ طاهر بنِ الحسينِ الأوزاعي، وهوَ قائدٌ مشهورٌ من قوَّادِ الخَليفةِ المَأمونِ، افتخرَ بأنَّ أبَاهُ قَتلَ الخَليفةَ الأمِينَ، فانتَصرَ شَاعرُنَا لِلعَربِ ولِلْقرشيِّين بِقَصيدةٍ، رَدَّ فِيهَا علَى ابنِ طاهر، وأَقذَعَ فِي هِجَائِهِ، وتَجَاوزَ الحَدَّ، وَكَانَ مِمَّا قَالَ فِيهَا:

يا بنَ بيتِ النَّارِ مُوقِدُها

ما لحاذيـهِ ســـــــــــراويــــلُ

مَنْ حُسينٌ؟ من أَبوكَ؟ ومَن

مُصعبٌ؟ غالتكمُ غولُ

نَسب في الفخرِ مُؤتَشَبٌ

وأُبُـــــــــــوّاتٌ أَراذيــــــــــلُ

قاتِلُ المخلوعِ مَقتولُ

ودَمُ المقتولِ مَطلولُ

فلَمَّا وُلِّيَ عبدُ اللهِ بن طاهر مصرَ، وصارَ إليه تَدبيرُ أمرِ الشَّامِ، أَيقَنَ الحِصنيُّ أنَّه لا يُفلتُ منهُ إِنْ هَربَ، ولَا نَجَاةَ لَهُ مِنهُ، فأرسَلَ أهلَهُ وحُرَمَهُ، وثَبَتَ في مَكانِه، وتَركَ أمْوالَهُ ودَوابَّهُ وَكُلَّ مَا كانَ يملكُ في مَوضعِه، وفتحَ بابَ حِصنِهِ، وَجَلسَ دَاخلَه، فَأتَى عبدُ اللهِ بن طاهر وخمسةٌ من خواصِّ غِلمَانِه، إلى مَكَانِ الحِصنِيّ، ودَخَلَ فسلَّمَ عليهِ وَنزَلَ عندَهُ، وَقَالَ لهُ: مَا أَجلَسَكَ وحَمَلَكَ أَن فتحتَ بابَكَ، ولمْ تَتَحَصَّنْ مِنَ الجَيشِ المُقبلِ، ولمْ تتنَحَّ عنْ عبدِ الله بنِ طاهرٍ، معَ مَا في نَفسِهِ عَلَيكَ، ومَا بَلَغَهُ عَنكَ؟

فَقالَ: إنَّ مَا قُلتَ لم يذهبْ عليَّ، ولكنّي تأمَّلتُ أمرِي، وعَلِمتُ أَنِّي أَخطَأتُ خَطِيئَةً حمَلَنِي عليهَا نَزَقُ الشَّبابِ وغِرَّة الحَداثةِ، وعَلمْتُ أنّي لَا أستطيعُ الهَربَ مِنهُ، فَبَاعدتُ البَنات والحُرَمَ، واستَسلَمْتُ بنفسِي وكُلِّ مَا أَمْلكُ! فإِنَّا أهلُ بيتٍ قد أَسرعَ القَتْلُ فِينَا، وَلِي بِمَنْ مَضَى أُسْوَةٌ؛ فإِنِّي أَثِقُ بأنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلَنِي، وأَخَذَ مَالِي، شَفَى غَيظَهُ، ولمْ يَتَجاوزْ ذلكَ إلَى الحُرَمِ، ولا لَهُ فِيهِنَّ أَرَبٌ، ولا يُوجِبُ جُرمِي إِليهِ أَكثَرَ مِمَّا بَذَلْتُهُ.

قَالَ الرَّاوِي: فَوَاللهِ مَا اتَّقاهُ عبدُ اللهِ إِلَّا بِدموعِهِ تَجرِي علَى لِحيَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتعرِفُنِي؟ قَالَ: لَا وَالله.

قَالَ: أَنَا عَبدُ الله بنُ طاهرٍ، وقدْ أَمَّنَ اللهُ روعَتَكَ، وحَقَنَ دَمَكَ، وصَانَ حُرَمَكَ، وحَرَسَ نِعمَتَكَ، وعَفَا عَن ذَنْبِكَ؛ ومَا تَعَجَّلتُ إِليكَ وَحدِي، إِلَّا لِتَأْمَنَ مِن قَبْلِ هُجُومِ الجَيشِ، ولِئَلّا يُخَالِطَ عَفوِي عَنكَ رَوعَةٌ تَلحَقُكَ.

فَبَكَى الحِصنيُّ، وقَبَّلَ رَأْسَ ابن طاهرٍ، وضَمَّهُ إِليهِ عبدُ اللهِ وأَدنَاهُ، ثمَّ قالَ لَهُ: لا بُدَّ مِن عِتابٍ. يَا أَخِي، جَعلنِي اللهُ فِداكَ، قُلتُ شِعْراً فِي قَومِي، أَفْخَرُ بِهِم، لَمْ أَطعَن فِيهِ عَلَى حَسَبِكَ، ولَا ادَّعَيتُ فَضْلاً عَلَيكَ، وفَخَرْتُ بِقَتْلِ رَجُلٍ، هُوَ وَإِنْ كَانَ مِن قَومِكَ، فَهُمُ القَومُ الذين ثَأْرُكَ عِندَهُم؛ فَكَانَ يَسَعُكَ السُّكُوتُ؛ أَو إِنْ لَمْ تَسْكُتْ لَا تُغْرِقْ ولَا تُسْرِفْ.

فَقالَ: أَيُّهَا الأَميرُ، قَدْ عَفَوْتَ، فاجعَلْهُ العَفْوَ الذي لَا يَخْلِطُهُ تَثْرِيبٌ، وَلَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُ تأْنِيبٌ.

قال: قَدْ فَعَلْتُ. (الأغاني).

قَالَ ابنُ المُعتز: «أفرغَ الحِصنيُّ شِعرَه في مَدحِ آلِ طَاهر».

ونَخْتمُ ببيتٍ مُفرَدٍ للحِصنيِّ، يقولُ فيهِ مَادِحاً.

فَـدَتْـكَ نَــفْـــسِـي وتَـفــديْــنـي أَعَـادِيـكَـا

بَلْ كُلُّ مَنْ فَوْقَ ظَهْرِ الأَرْضِ يَفْدِيكَا

 

arabstoday

GMT 02:07 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

المحليات؟!

GMT 02:06 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الفاشيةُ التى فى داخلنا

GMT 02:05 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

أما آن لهذا الليل الطويل أن ينجلى؟!

GMT 02:03 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

فرق كبير

GMT 17:22 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

استقبال الجديد في المواطنة وبناء الدولة

GMT 17:18 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

ذهاب جيد فكيف تكون العودة؟

GMT 17:16 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

حرية الصحافة.. أيام لها تاريخ!

GMT 17:14 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

أسئلة وألغاز «بلبن»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ وَمَا الفَقْرُ بِالإِقْلالِ



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:42 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
 العرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"

GMT 01:47 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

صلاح دياب كاتبا

GMT 02:59 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

الخاسر الأكبر من النزاع في السودان

GMT 12:16 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 06:25 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

زيارة سعوديّة مفصليّة لطهران

GMT 19:28 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 07:25 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مي كساب تستأنف تصوير "نون النسوة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab