الجود والكرم والشُحُ والبخل

الجود والكرم والشُحُ والبخل!

الجود والكرم والشُحُ والبخل!

 العرب اليوم -

الجود والكرم والشُحُ والبخل

بقلم -تركي الدخيل

تكادُ شعوبُ الأرضِ بثقافاتها المتباينة، تطبق على فضيلة الجود والكرم من جهة، ورذيلة الشّح والبخل من جهة مقابلة.
سَأَلَ كسرى: أي شيء أضرُ على ابن آدم؟! قالوا: الفقر. قال: الشُحُ أضَرُ منه، إن الفقير إذا وجد اتسع، وإن الشحيح لا يتسعُ إذا وجد.
فالشحيح في ضيق سواء اتسع رزقه أو ضمُر!
في «روضة العقلاء»: إن «أجودَ الجود؛ من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره، ومن جاد ساد، كما أن من بخلَ رَذُل. والجودُ حارس الأَعراض... ومن أتم الجود أن يَتَعَرَّى من المِنّة».
ولكن أيكون الجود والكرم مترادفين، وهل الشُّحُ والبخل متماثلان؟!
ومن ثراء اللغة العربية، أنَّ محاولة الإجابة عمَّا سبق، تُسَوَّدُ فيها الصفحات الطوال، بين تفاوت تعريفات أهل اللغة، وتباين تفريقاتهم!
فقد فَرّق أبو هلال العسكري بين الجود والكرم، فاعتبر: (الجَوَاد هو الذي يعطي مع السُّؤال. والكريم: الذي يعطي مِن غير سؤال. وقيل بالعكس. وقيل: الجُود: إفادة ما ينبغي لا لغرض. والكَرَم: إيثار الغير بالخير).
أما الصعود في الدرجات بالجود، والسقوط في الدركات بالبخل، فيتحدَّث عنه ابن حِبَّان، قائلاً: «ما رأيتُ أحداً من الشرق إلى الغرب ارتدى برداء الجود، واتَّزر بإزار ترك الأذى إلا رَأَسَ أشكالهُ وأضدَادَهُ، وخضع له الخاصُّ والعامُّ، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما ملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام، ومن أراد أن يهتكَ عرضه ويثلمَ دينَه ويملَّه إخوانُه ويستثقله جيرانه فليلزم البخل».
قيل للنضر بن شميل: أي بيت قالته العرب أسخى؟ قال: الذي يقول:

 

فلو لم تَكُنْ في كَفِّهِ غيرُ رُوحِه لَجادَ بها، فليتقِ اللهَ سَائِلُه

 

وضمن البيت السابق، تنسب أربعة أبيات لأبي بكر الشبلي، الشاعر العباسي، (ت334 هـ)، وهي:

 

تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتى لَوَ أنَّه ثناها لقبضٍ لم تُجبهُ أنامِلُهُ
ترَاه إذا ما جئته متهللاً كأنَّك تُعطيهِ الذي أنتَ آمِلُهُ
ولو لم يكن في كفه غيرُ رُوحِهِ لجاد بها فليتقِّ اللهَ سائلهُ
هو البحرُ من أي النواحي أتيتَهُ فلُجّتُهُ المعروفُ والجودُ ساحِلُهُ

 

والصحيحُ أنَّ البيتَ الأولَ والرابعَ لأبي تمام، فيما الثاني والثالث لزهير بن أبي سلمى، كما حَرَّرَ ذلك المحقق العراقي الكبير؛ كامل مصطفى الشيبي، (ت 2006)، في جمعه لديوان الشبلي.
أمَّا الشُّحُ والبخل، فقال العسكري عنهما في «فروقه»: «قد يفرق بينهما بأنَّ الشحَ: البخل مع حرص، فهو أشد من البخل». وقيل: الشح: اللؤم، وأن تكونَ النفسُ حريصة على المنع. وقد أضيف إلى النفس في قوله تعالى: (وأحضرتِ الأنفسُ الشحَ). لأنه غريزة فيها. وفي الحديث: «الشح أن ترى القليل سرفاً، وما أنفقت تلفاً». وفيه أيضاً: «البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس، وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله تعالى». وفيه أيضاً: «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً».
وقد بلغ الأمر بأسلافنا العرب، إلى اعتبار بعضهم؛ أنَّ الكرم والبخل جينات وراثية، فأنشد، أبو محلم السعدي؛ أحد شيوخ الأدب العباسي، (ت 245 هـ):

 

إنا سألنا قومَنا فخيارهم من كان أفضلهم أبوه الأول
أعطى الذي أعطى أبوه قبله وتبخلت أبناء من يتبخل

 

ووقف العربُ على أن من طبائع النفوس أن تميلَ للجواد، فقال أبو الفتح البستي:

 

مَن جَادَ بِالمالِ، مَالَ النَاسُ قاطِبةً إِليه، والمالُ للإنسانِ فَتّانُ

 

والموفق المُسَدَّد، من فُتِنَ الناس بجوده، فالخلقُ عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعباده.
وفي الأثر: «السخي قريب من الله، قريب من الناس، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، ولَسَخِي جاهل، أَحبُ إلى الله من بخيل عابد».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجود والكرم والشُحُ والبخل الجود والكرم والشُحُ والبخل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab