ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ

ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ؟!

ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ؟!

 العرب اليوم -

ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ

بقلم - تركي الدخيل

قبل أيامٍ كنت أستمع لقامتين من قامات الفنِّ والغناء بالسعودية، يؤديان أغنيةً جماعية، عنوانها: «متى أنا أشوفك يا كامل وصوفك؟!». والمُطربان هما:  لراحل الكبير أبو بكر سالم بلفقيه، رحمه الله، وهو ملك الطبقات الصوتية، وفنان العربِ الكبير محمد عبده. بدأ الغناءَ الفنانُ المثقَّفُ أبو بكر بمَوَّالٍ شدا فيه بأحدِ أجمل مطالع قصائد أبي الطيب المتنبي: أَتُرَاهَا لِكَثْرَة العُشَّاقِ... تَحسَبُ الدَمْعَ خِلْقَة في المآقِي؟! وصف أبو العلاء المعري؛ أبرزُ عُشّاق المتنبي، البيتَ السابقَ بأنَّه «من بدائع شعر أبي الطيب». والمعنى: أنَّ المتنبي يتساءل: هل هذه الفتاةُ الفاتنةُ الجمال، لكثرة من يعشقُها، أتَظُنُّ دمعَ بكاء العاشقين يجري في عيونهم لا يُغَادِرُها؟!

ووفقاً لمعجم اللغة العربية المعاصرة، فالمَوَّال: «فن جديد من الفنون الشعريّة المستحدثة التي ظهرت بين الطبقات الشعبيّة في بلاد المشرق الإسلامي، في إطار التجديد والتطوير في نظام القصيدة العربيّة الموروثة من حيث وحدة قافيتها، طلباً للسهولة والسيرورة بين عامَّة الناس تأليفاً وغناءً وسماعاً، ويُغنَّى الموَّال عادةً في صحبة نايٍ أو ربابة». مُؤسِفٌ، انحسار المَوَّال، الذي كان وسيلة لتعريف جمهور الغناء بأبياتٍ منتــــقاة، من عيون الشعر... أمام حياة لاهثة في ســـــرعتها، فشملت جائحتها الأغنية العربية، حتى أضحت كغمضة جفنٍ، لعـــــــينٍ مليئـــة بالأقذاء! أما مطالعُ الشعر، فمن حسن البيان، وكمال الإجادة والإتقان، أن يُطَرِّزَ الشاعرُ قصيدته ببيتٍ يسلبُ ألبابَ السامعين، فيجذبهم حُسن مطلعها، لبقية مبنَاها ومعناها. وقد سَمَّى ابنُ المعتز براعةَ الاستهلال؛ حسن الابتداء، تأكيداً على تحسين المطالع، وفقاً لابن رشيق القيرواني. قال الثعالبي عن ميزات شعر أبي الطيب: «أولُ المحاسنِ والروائعِ والبدائعِ والقلائد والفرائد التي زَاد فِيهَا على من تقدم وَسبق جَمِيع من تَأَخّر... حُسن الْمطَالع».

ومن بدائع مطالع قصائد المتنبي، قوله: فَدَيْنَاك من ربعٍ وَإِن زِدتَنا كَربَا فَإنَك كُنتَ الشَرقَ للشَمسِ وَالغربا وقوله: الرَأْي قَبْلَ شَجَاعَة الشُجْعَانِ هُوَ أَولٌ وَهِي الْمَحَلُ الثَانِي ومما يُطرِبُ العبدَ الفقير لربه، من محاسن مطالع شاعرِ الدنيا، قوله: أَفاضِلُ الناسِ أَغرَاضٌ لِذا الزَمَنِ يَخلو مِنَ الهَمِّ أَخلاهُم مِنَ الفِطَنِ أَيُّ تسليةٍ لأهلِ الفضلِ أجملُ مما سَبَكَهُ المتنبي، في هذا البيت، شاملاً كلَ معنى حكيمٍ. أيُّها المفضلون الأفاضل، تأكدوا أنَّ فضلكم يجعلكم هدفاً للنوائب والمحن، واستهداف الصغار من البشر، فإذا داهمتكم الهموم، فتأكدوا أنَّ من لا يغشاه هَمٌّ، هو فاقدُ الفِطنة والذكاء والتميز! وفي ذات المعنى، بيتُ البُحتريّ: أَلَم تَرَ لِلنَوَائِبَ كَيفَ تَسمُو إلى أهل النوافلِ والفُضولِ فكأنَّ المصائبَ ترتفع لتصيب الفضلاء!

لذلك يقول ابن المعتز:وحَلاَوَةُ الدَّنْياَ لِجَاهِلِهَا وَمَرَارَة الدَّنْياَ لِمنْ عَقَلاَ ونعود لحُسن الاستهلال وجمال المطلع، فمن ذلك ما بدأ به المتنبي إحدى قصائده، قائلاً:المَجدُ عُوفِي إِذ عُوفِيْتَ وَالكَرَمُ وَزالَ عَنكَ إِلى أعدائِكَ الأَلَمُ يباركُ سلامة ممدوحه من عارض صِحِّي أَلَمَّ به، فيعد بلوغ الممدوح العافية والصحة سبباً في سلامة المَجدَ وصحته، لتلازم السمو والممدوح، وتوأمته والمجد. أمَّا الأَلمُ والمرض فيزول من أهل المجد إلى خصومهم وأعدائهم. وأعظم به من بيت ينضح جمالاً ويفيض إبداعاً. عند المتأخرين: «يُعرَفُ الكتاب من عنوانه»، ومَن أَحسَنَ الابتداءَ أَجَادَ الأداءَ، وجذبَ إليه العقول، ومنع عنها الإلهاء؛ ولا يؤتى ذلك إِلَّا لمن صَبَرَ في صِناعَة البلاغة والإنشاءِ، صَبرَ الحُكَمَاءِ على كلِّ هَمٍّ وكَدَرٍ وبَلَاء.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ ماذا فعل بِها كَثرَة العُشَّاقِ



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab