ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ

ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ!

ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ!

 العرب اليوم -

ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ

بقلم:تركي الدخيل

ومِنْ أبياتِ أبِي الطَّيّبِ المُتَنبِّي التَّي يُرسِلُ فيهَا الأمثالَ والحكمَ، فتشيعُ وتنتَشرُ وتُصبحُ من محفوظاتِ الصُّدور، ومقولاتِ الأفْواهِ، وأحاديثِ الألسنِ، قولُه:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ

تَضمَّن بيتُ المُتَنبِّي، هذا، مثليْنِ اثنيْن، أولُهُمَا في صَدرِه: مَنْ يَهنْ يسهلُ الهَوانُ عليه، وثانِيهما في عجزِه: ما لِجرحٍ بميّتٍ إيلامُ.

وإرسالُ مثلينِ في بيتٍ واحدٍ تميُّزٌ اُختصَّ به شعرُ أبِي الطَّيب.

ويَهنْ: أي يُصبحُ هيّنًا مُهَانًا باختيارِه، فيهونُ في نفسِه، ولذلكَ هو لا محالةَ سيكون عُرضةً لإهانةِ غيرِه له، ومنْ هوانِه على نفسِه، وهوانِه على النَّاس، ستكونُ إهَانةُ غيرِه له، أمراً سهلاً عليه، وسَتَمُرُّ عليهِ مرورَ الكِرَامِ، ولا كَرامةَ له، ولولَا استفاضةُ التعبيرِ (مرور الكرام)، لنَزَّهتُه، وفيه ذكرُ الكِرامِ، عن استخدامِه مَع مَنْ يَقبلُ الإهانةَ، وبئسَ القبولُ والمقبولُ.

ولأنَّ أبَا الطَّيّبِ خبيرٌ بالنُّفوسِ، عَارِفٌ بمَا يجتاحُهَا من طُقُوس، قالَ وكَأنَّه يَعنِي المُهانَ:

فِي النَّاسِ أَمْثِلَةٌ تَدُورُ حَيَاتُهَا كَمَمَاتِهَا ومَمَاتُهَا كَحَيَاتِهَا

فَلَا غرابةَ ألَّا يتَمَعَّرَ وجهُهُ غَضباً، فالهَوانُ والإكرامُ عندَه بمنزلةٍ واحدة، مثل تساوي منزلتي الحياةِ والمماتِ، والمماتِ والحياة!

فَمَا قيمةُ الأنفاسِ، عندَ هذه النَّاس؟!

والنَفَسُ، مفردُ الأنْفَاسِ، وهو مَا يستخدِمُه المرءُ للتَّنفسِ، واشتُقَّ النَّفَسُ من النَّفْسِ، وجَمعُ النَّفْسِ: أَنفُسٌ، وسَبَبُ الاشْتِقَاقِ: أنَّ انقطَاعَ النَّفسِ، مُهلِكٌ للنَفْسِ.

ومثلُه، قولُ أبِي الطَّيّبِ أيضاً:

ومَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بنَاظِرِهِ إِذَا اسْتَوتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُ

أي: ماذَا يُفيدُ النَّظر، إذَا كانَ النُّورُ والظَّلمَاءُ مُتسَاويين في المَنزلةِ، مُتَطابقين في الدَّرجةِ، مُتَماثلين فِي الأثر؟!

أليسَ من أجلِ ذلك، اعتَبرَ المُتنبِّي الوُصولَ إلى هذهِ المَرحلةِ من التَّفكير، دَليلاً على أنَّ الأفهَامَ ليسَ فيهَا صحيحٌ، ولا مَا لا يصحُّ، فقال:

ولَيسَ يَصِحُّ في الأَفْهَامِ شيءٌ إذَا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ

إنَّ القَلبَ من النَّهارِ نورُه، وإذا اسْتَوَتِ الأَضْدادُ المتناقِضَةُ، وصَارَ النُّور ظلمةً، وأصْبحَ مُحتاجاً إلى دَليلٍ، فهوَ في وضعٍ ذَليل، بتساوي الصَّحيحِ والعَليل.

وكأنَّ المُتَنبِّي أشَارَ إلَى المَعنَى ذاته، من زاويةٍ أخرى، في بيتِ شِعرِه، إذْ قالَ:

يَهُونُ عَلَينَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا وتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وعُقُولُ

وهُنَا يكونُ الهَوانُ مُستحبّاً، عندمَا يقعُ من أَجلِ مَنعِ ضَررٍ أكبرَ، وهو ضَرَرُ الأَعْراضٍ والعُقولِ. وهكذَا يفعلُ العُقلَاء، فمَا قيمةُ الجَسَدِ، أمامَ العَقْلِ والعِرضِ، ولذَا يقولُ أبُو الفَتحِ البستِي:

يَا خَادِم الْجِسْمِ كم تشقَى بخدمتِه أَتَطلبُ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسرانُ؟

أقبلْ علَى النَّفسِ واستكمِلْ فَضائلَها فَأَنتَ بِالنَّفسِ لَا بالجِسمِ إِنْسَانُ

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ ما لجرحٍ بميّتٍ إِيلَامُ



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab