من روائع أبي الطيب 37

من روائع أبي الطيب (37)

من روائع أبي الطيب (37)

 العرب اليوم -

من روائع أبي الطيب 37

بقلم - تركي الدخيل

(105) إِنَّ القَتِيلَ مُضَرَّجاً بِدُمُوعِهِ * مِثْلُ القَتِيلِ مُضَرَّجاً بِدِمَائِهِ

وهذا بيت من أبيات أبي الطيب الغزلية البديعة، التي استخدم المنطق فيها، لإثبات منطق الغزل، وبيان حال أهل العشق، وعِظَم ما يواجهون. مُضَرَّج: ضرج: ضَرَجَ الثوبَ وغيرَه: لَطَخه بِالدَّمِ ونحوِه مِنَ الحُمْرة، وَقَدْ يَكُونُ بالصُّفرة. وضَرَّجَه فَتَضَرَّج، وثوبٌ ضَرِج وإِضْرِيج: مُتَضَرِّج بِالْحُمْرَةِ أَو الصُّفرة؛ وَقِيلَ: الإِضْريجُ صِبغٌ أَحمر، وثوبٌ مُضَرَّج، مِنْ هَذَا. وتَضَرَّج بالدَّم أَي تَلَطَّخ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَرَّ بِي جَعْفَرٌ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مضَرَّج الْجَنَاحَيْنِ بِالدَّمِ»، أَي: مُلَطَّخاً. وَكُلُّ شَيْءٍ تَلَطَّخ بِشَيْءٍ، بِدَمٍ أَو غَيْرِهِ، فَقَدْ تَضَرَّج؛ وَقَدْ ضُرِّجَتْ أَثوابه بِدَمِ النَّجيع. وَيُقَالُ: ضَرَّج أَنْفَه بِدَمٍ إِذا أَدْماه. (لسان العرب).

يقول: إن العاشق الذي لا يتوقف بكاؤه بسبب أحوال عشقه، حتى يبدو مُضَرَّجاً بدموعه، مُلطَخاً بهذه الدموع مُغَمَّساً بها، فهو قتيل العشق المُضَرَّج بالدموع، وهو قتيل العشق، مثله مثل قتيل المعركة وهو مُضَرَّجٌ بدمائه. القتيلان متماثلان بتشابههما في كونهما مقتوليْن من قبل خصميْهما قتلاً جعل الأول يتلطخ من ذاك القتل بدمعه، والثاني يتلطخ بدمه!

وتشبيه دمع العاشق بدم المقتول في المعركة بلغ به المتنبي درجة عالية من الإبداع والتميز والجودة، والقدرة على تصوير أحوال العشق، وحالات العُشَّاق، وقد جعل جريان الدموع كجريان الدماء، تعظيماً للدموع، ورفعة لشأنها، وبالتالي، رفعة لشأن العشق، وتقديراً وإجلالاً للعاشق.

(106) وَالعِشْقُ كَالمَعْشُوْقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ * لِلْمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِن حَوبَائِهِ

الحوباء: هي النفس. يقول: كما يحلو قُرب المعشوق ويعذب، فهكذا يحلو ويعذب قرب العشق للعاشق. واعتبر العشقَ بلوى والعاشِقَ المُبْتَلَى به. وعلى الرغم من هذا الابتلاء، فإن العاشق يستحسن ويستعذب بلواه بكل تفاصيلها، لذلك فهو يُحب أن يكون العشق قريباً منه ملازماً له مستمراً في أثره، وبلوغ العاشق هذه الدرجة من حرصه على قرب العشق واستمراره مع كونه بلوى، هو دليل على استغراقه في العشق/ البلوى، وعدم رؤيته لجانب البلوى في الموضوع، ولو كان من آثار هذه البلوى أنها تنال من نفسه ألماً وتعباً ووهناً ومرضاً.

(107) يُـخْـفِـي الـعَـدَاوَةَ وَهْـيَ غَـيْـرُ خَـفِـيَّـةٍ * نَـظَـرُ الـعَـدُوِّ بِمَا أَسَــرَّ يَــبُــوْحُ

يقول: إن عدوكَ يُخفِي عداوَته لك خوفاً منكَ ووَجَلاً، و(هي): أي العداوة، ثابتة مُتَأصلة مُتَجَذِرَةٌ، (غير خفية): فهي ظاهرةٌ، بيِّنةٌ، واضحة، لا يمكن إخفاؤها، والدّليل هو:

نَـظَـرُ الـعَـدُوِّ بِمَا أَسَــرَّ يَــبُــوْحُ

فالنظر يفضح والعيون تُظهِر الحق والصدق على المكشوف، كما يُقَال. جاء في (فصل المقال في شرح كتاب الأمثال)، لأبي عبيد البكري: «قالوا: يُعَبِّرُ عن الإنسان اللسان، وعلى المودة والبغض العينان». وفي الباب، قال يزيد بن الحكم الثقفي:

تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ * وَعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ قَلْبَكَ لِي دَوِي

وتُكاشرني: من المُكاشرة وهي التبسط والمُضاحكة.

وقال عبدالله بن طاهر:

خَلِيلَيَّ للْبَغْضاءِ عَيْنٌ مُبِينَةٌ * وللْحُبِّ آيَاتٌ تُرَى وَمَعارِفُ

وقال سُويد بن صامت الخزرجي:

تُخَبِّرُنِي العَيْنَان مَا القَلبُ كَاتِمٌ * وَلَا جُنَّ فِي الشَّحْنَاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ

(108) يَرُومُونَ شَأْوِي فِي الكَلَامِ وإِنَّمَا * يُحَاكِي الفَتَى فِيمَا خَلَا المَنْطِقَ القِرْدُ

شأوي: الشَّأْوُ: السَّبْقُ.

يقول: يحاول خصومي تقليدي وأن يقولوا مثل شعري، ويتكلموا مثل كلامي، ويحاكوا طريقة حديثي، وهيهات لهم ذلك، فإن القِردَ يُحاكِي الإنسانَ ويُقَلِّده في حركاته، ولكنه لا يستطيع تقليده في منطقه، ولذلك لن يستطيعوا أن يبلغوا شأوي في محاكاتي بحديثي ولا شِعْرِي، فلو استطاعوا محاكاة شكل الكلام، فلن يستطيعوا محاكاة المنطق، فالمنطق لا يُحَاكَى بالتقليد، لأنه تشكّل بالتعلّم والفهم والممارسة والتجربة ومراكمة الأيام والعلوم، وهو ما لم يفعلوه، ولذلك لن ينالوه.

وإشارته إلى كون القرد قد يُحاكي الإنسان في حركاته، لكنه لا يبلغ محاكاة منطقه، دلالةٌ لطيفةٌ على تشبيه خصومه بالقرودِ، استحقاراً لهم، ولما يفعلون.

arabstoday

GMT 00:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

صدمة خامسة!

GMT 00:04 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

شكرا للسيدة الهولندية!

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 00:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الاختيار

GMT 11:27 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 11:26 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 11:24 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

ذكريات الحرب وبطولات الأحياء!

GMT 11:22 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من روائع أبي الطيب 37 من روائع أبي الطيب 37



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:00 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat
 العرب اليوم - منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat

GMT 09:17 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 15:06 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

الأمطار تسبب اضطرابات في شمال إيطاليا

GMT 15:05 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

ثلوج وأمطار كثيفة تضرب جنوب غرب سويسرا

GMT 15:04 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب إندونيسيا

GMT 07:39 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

وفاة الفنان المصري سليمان عيد

GMT 17:14 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

منذر رياحنة يتحدث عن علاقته بمصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab