بقلم - سلمان الدوسري
منذ أمد طويل وسؤالنا الدائم: من يقود الآخر... السياسة أم الاقتصاد؟ الأغلب، ومن خلال الأحداث والمعطيات المتسارعة؛ مال كثيرون لاعتبار الاقتصاد قائداً. أنا أيضاً، عندما أتابع العديد من الملفات أميل للتصنيف نفسه أحياناً، لكن ما رأيته مؤخراً، تحديداً من تغير فيما يمكن وصفه بالقيم الدولية، جعلني أُراجع كل القناعات القديمة.
الأكيد، أن لا الاقتصاد ولا السياسة يملكان القيادة الدائمة، وإنما المصلحة الوقتية بحسب كل ملف، وكل دولة. بل إن التغيير في الملف نفسه قد يحدث بتطور الظروف المصاحبة، ووجود ما يلغي قيادة أحدهما. هذه الحقيقة التي يجب أن نتذكرها على الدوام.
السرد آنفاً، فقط لأقول بمباشرة إن تعاطي بعض دول العالم مع النفط، وأعني مواقفها تجاه منظمة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس»، ينطلق من مواقفها السياسية بالدرجة الأولى تجاه الدول المُنتجة فقط لا غير. لذلك تجد الإعلام يضخم من رواية ارتفاع أسعار النفط (الأسواق المنظمة)، ويتجاهل عمداً كل التضخم في أسواق الغاز وبقية أسواق الطاقة وغيرها (غير المنظمة).
ولعلي هنا أستعير من الأمير عبد العزيز بن سلمان، رجل الطاقة المخضرم ووزيرها في السعودية، بعض الحقائق التي يجب أن نتحدث عنها بصوت مسموع، حتى تقف في وجه التلاعبات الإعلامية الممنهجة، التي تحاول أن تجعل من النفط سبباً لإخفاقات الدول والأحزاب والرؤساء.
في أرقام منشورة قبل أيام، كان الارتفاع بالبترول فقط 70 في المائة، بينما أكثر من 300 في المائة لبقية الأنواع (الغاز والفحم). ما يعني بالضرورة أن تنظيم السوق عبر «أوبك بلس» مفيد حتى للمستهلكين... أيضاً، وبالعودة لهامش ربح المصافي كان في المتوسط خلال الخمس سنوات 6 في المائة، بينما حالياً 650 في المائة، وهذا يشير إلى نقص في القدرة التكريرية للمصافي، وينبئ بوجود مشكلة بالمصافي بسبب الدعوات التي تنادي بتقليص الاستثمارات فيها وتقليلها. ليس ذلك وحسب؛ فبالرجوع لسعر النفط الخام فهو لا يمثل سوى أقل من 40 في المائة، للسعر الكلي من سعر المشتقات البترولية التي يدفعها المستهلك في محطات الوقود، أما النسب الباقية من مجموع التسعير فتذهب لعناصر أخرى، كالضرائب وربح المصافي وغير ذلك.
ليس من المبالغة القول إن ملفات الطاقة هي جزء من ملفات كثيرة، تستخدم لبناء حملات تشويه ممنهجة، ضد السعودية دائماً ودول أخرى أحياناً، تهدف للضغط على القرار من أجل تحقيق أهداف ثابتة ومتغيرة؛ تتطور بحسب الظروف والمراحل، والعلاقات بين الدول.
ما يجب أن نذكره ونذكر به باستمرار، أن قيم الصحافة والحرية والحقوق هي مجرد شماعات غربية، تستخدم عند الحاجة؛ كعوامل ضغط لا كمستحقات حقيقية. وأعود لمقالي المنشور سابقاً هنا، بعنوان: «أزمة أوكرانيا: المكارثية الجديدة في إرهاب الخصوم»، لأستعير منه: «إن فكرة التجارة الحرة، وابتعادها عن السياسة أمر في غاية الدجل... لأنه لا يمكن لشركات في مجالات النفط والغاز والترفيه والتكنولوجيا وقطاع التمويل والتجزئة والسيارات والمأكولات، بالإضافة إلى الشركات الاستشارية وغيرها، أن تنسحب معاً بمحض الصدفة، أو بتطابق الموقف، وإنما بالإملاء المباشر من قبل الحكومات الغربية، فقد انسحبت سلسلة من العلامات التجارية البارزة من روسيا (نتيجة الأزمة مع أوكرانيا)، حتى ولو ادعت تلك الشركات العملاقة، أنها شركات مستقلة، ولا تتلقى أي تعليمات من قبل الحكومات الغربية، فتلك كذبة كبرى، الحذر كل الحذر من تصديقها».
لفترات طويلة ونحن نستهلك الأكاذيب الغربية، ولترويجها نافح سفراء عرب أكثر من الغربيين أنفسهم، اعتادوا أن يقللوا من أفكارنا وفهمنا، بحجة المشروع الغربي المتحضر، الذي برهنت على زيفه الأيام والأحداث. لا بد أن تكون روايتنا قوية، بحدة وشراسة أكاذيبهم، وأن نوضح مواقفنا ومنتجاتنا وثقافتنا وطريقتنا كندٍّ لا كتابعٍ يستهلك بلا تفكير.
لقد حان الوقت أن نبدأ الغزو بأفكارنا المتحضرة، ورؤانا التي سبقتهم، وهم في سبات التاريخ القديم!