بقلم - سلمان الدوسري
على كثرة الحوادث والتفجيرات الإرهابية التي مرت خلال العقود الماضية؛ فإن قليلة تلك التي تبقى عالقة في الذاكرة لا تتزحزح؛ حيث يتذكر العالم جيداً مشهد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، كما يتذكر لحظة انهيار برجي مركز التجارة العالمي إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وليس من المبالغة القول إن المشهد المأساوي لتفجير مرفأ بيروت لا يختلف عنهما، سيبقى في الذاكرة طويلاً، ليس فقط للمأساة التي خلَّفها بمقتل وإصابة آلاف من الأبرياء، وإنما لأنه فعلاً سيكون نقطة تحول فارقة للبلد المنكوب، وأم الكوارث في لبنان، ليس ترديداً للعبارة الشهيرة، ما قبل التفجير ليس كبعده، وإنما لأنه إذا لم يستيقظ لبنان على وقع أسوأ كارثة تواجهه في العصر الحديث فلن يستيقظ أبداً، وإن لم تدق الساعة لخروجه من الدوامة التي يترنح فيها منذ فترة فلن يخرج أبداً.
كم هو محزن أن يصحو اللبنانيون على انفجار سببه مواد تعادل 1800 طن من مادة «TNT» شديدة الانفجار، خزنت في موقع تابع لـ«حزب الله» بين المدنيين الأبرياء. اكتشف اللبنانيون أن هذه المادة شديدة الخطورة لم تخزن بالقرب من الحدود الإسرائيلية لـ«تحرير القدس»، كما تشير الشعارات إياها، وإنما تم تأمينها لضرب استقرار لبنان واللبنانيين، واستغلالها في الإرهاب الإقليمي والدولي. الانفجار الضخم لم يهز بيروت وحدها؛ بل هز عقول جميع اللبنانيين بأن ما يواجهونه هو الوضع الطبيعي وخلافه استثناء، وأن القادم سيكون أسوأ من تفجير المرفأ، ما دامت اللعبة السياسية مستمرة في فرض «حزب الله» زعيماً وقائداً للدولة، يختار رئيسها، ويعين مجلس وزرائها، ويسير أعمالها، ويحتل كل مرافقها، ويحدد مواقفها السياسية، وتعينه في ذلك أغلبية نيابية، وفوق كل هذا يواجه أميركا وأوروبا والعرب، فأي مستقبل قاتم ينتظر لبنان؟!
ليست الكارثة في انفجار مرفأ بيروت المشابه لقنبلة نووية هزت البلاد بأكملها فحسب، كارثة لبنان الحقيقية أنه لم يبقَ له صديق؛ حكومته المسيطَر عليها من قِبل «حزب الله» عادت الجميع، وخاصمت الجميع، وعزلت نفسها عن الجميع، فلم يبقَ أحد يريد أن يضع يده في يد وكلاء إيران، فرفع العالم يده عنه، وتركه في غياهب الجب منتظراً أن يعود لبنان بلداً طبيعياً، ومع ذلك يراد للعالم أن ينقذ لبنان، كيف يمكن لأحد أن ينقذ دولة تضع حزباً إرهابياً على رأسها، وتعينه على مشروعه؟ كيف يمكن التعاطي مع حزب يدفع بمواطني بلاده للموت، ويتلاعب بحياتهم لأجل مغامراته التي لا تنتهي؟
الحل في لبنان ليس عبر لجنة تحقيق ستحقق مع الكل إلا «حزب الله» وأدوات «حزب الله» والتابعين لـ«حزب الله». الحل لن يكون بانتظار المدد يأتي من الخارج، فالتعاطف العالمي مهما علا فسيكون وقتياً. وصفة علاج السرطان اللبناني اختصارها: الداخل قبل الخارج. إذا لم يتخلص اللبنانيون من هذا السرطان الذي انتشر في كافة مفاصل بلادهم، فلن يستطيع أحد من الخارج مساعدتهم.
بالتأكيد المواجهة ليست سهلة، وتكلفتها عالية، ولا أحد يستطيع أن يلوم الطرف الأضعف على عدم قدرته على مواجهة الطرف الأقوى، إلا أنها المعادلة الوحيدة المتوفرة حتى الآن، أما المعادلة الأخرى الأشد صعوبة وقسوة، فهي تقوم على أن انهيار لبنان سيؤدي إلى انهيار منظومة «حزب الله»، ومن ثم تكون كلفة إنقاذه أقل مما هي عليه الآن. وما بين معادلتين، كل واحدة أشد قسوة وصعوبة من الأخرى، سيظل لبنان يتعرض لكارثة تلو الأخرى حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وفي كل الأحوال لا يعني ذلك سوى أن الكوارث لن تتوقف، ما لم تحيَ الدولة على أنقاض الحزب.