بقلم سوسن الشاعر
حين استمعت للسيد عبيد خلفان السلامي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، وهو يتحدث عن احتلال الأجانب للوظائف المهمة في دولة الإمارات، عجبت لأنني كنت أظن أننا في البحرين الوحيدون الذين نعاني هذه المشكلة ضمن دول الخليج، والتي تتمثل في وجود سوق نامية تخلق فرصاً لوظائف ذات رواتب مجزية، إنما ينالها الأجانب لا المواطنون.
هذا الموضوع هو حديث المدينة عندنا في مملكة البحرين، ويبدو من حديث الأخ عبيد أن المشكلة موجودة أيضاً في الإمارات، ولا أظن بقية دول الخليج بعيدة عنا، بدليل هذا الكم من العمالة الأجنبية في دولنا، وبالأخص الذين يحتلون مراكز ومناصب ووظائف مجزية الرواتب، في حين يفشل المواطن الخليجي في الحصول عليها.
هناك حلقة مفقودة في سياسات الدول الخليجية بين التعليم والتدريب وبين السوق، تجعل من هذه الفجوة مشكلة مشتركة بيننا، ولا بد من التباحث حول سدها، إنما نود التنويه بأننا لا نعاني شعبوية أو حالة من تضخم الأنا الخليجية، بل بالعكس، نحن مع التنوع في الخبرات إثراءً للاقتصاد، إنما من العيب على أي دولة أن يكون لديها شباب راغبون في العمل؛ لكن هناك حواجز تحول بينهم وبين تلك الفرص، ولا تجعل منهم الخيار الأول.
خذ على سبيل المثال في البحرين، هناك اقتصاد نامٍ، وهناك سوق نشطة، وهناك فرص عمل، وهناك وظائف ذات رواتب مجزية، وهناك ميزانية جيدة تُصرف على التعليم، إنما المشكلة أن 80 في المائة من الوظائف العليا تذهب للأجانب، في حين أن عندنا أكثر من 80 ألف بحريني -أي ما يعادل 50 في المائة من العمالة الوطنية- رواتبهم تقل عن 600 دينار بحريني، أي 1600 دولار شهرياً. فإن كانت الوظائف التي يزيد راتبها عن هذا المبلغ متوفرة إنما لا يصل لها المواطن، فهناك خلل إما في السياسة التعليمية وإما في سوق العمل، وإما في سياسة تأهيل المواطن، أو أن هناك خللاً في عملية التمكين.
لسنا من الذين يطالبون بتمكين المواطن الخليجي من تلك الوظائف؛ فقط لأنه خليجي، بل نحن مع جعله الخيار الأفضل لصاحب العمل، بإمكانياته ومؤهلاته وأخلاقيات المهنة التي يتحلى بها، إنما هذه لن تُخلق هكذا دون أن تكون هناك استراتيجية واضحة محددة الأهداف ومبرمجة زمنياً.
الحلقة المفقودة موضوع يحتاج أن يوضع على طاولة البحث في دول الخليج، بل ويحتاج إلى برامج مجدولة لسد هذه الفجوة، فلا يكون الملف موضوع نقاش من أجل النقاش فحسب، بل يكون مهمة تناط بها الحكومات، بحيث تحل هذه المشكلة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل.
إن لم تكن سياستنا التعليمية والتدريبية ملبية لاحتياجات أسواقنا، فما الفائدة منها؟ هناك دول كالهند وجهت سياستها التعليمية كي تلبي مخرجاتها احتياجات الأسواق الدولية لا الأسواق الهندية فحسب، وجعلت من خريجيها مطلباً لكل الأسواق، فلتكن لنا نموذجاً.
يقول فايز الرابعة، الخبير الاقتصادي السعودي، إنه قبل 23 سنة، كان في رحلة عمل في مدينة حيدر آباد في الهند، هذه المدينة التي تصدر لأميركا والدول الأوروبية مهندسي التقنية، وكانت هذه المدينة -في تلك الفترة- تشتهر بكثرة المعاهد التقنية والمتخصصة في البرمجيات.
يقول الرابعة: «في ذلك الوقت كنت أحتاج مبرمجين لبرنامج متخصص في رسم الخرائط، ولم أستطع منافسة عروض الأميركيين والألمان... رواتب عالية مع وعود بأخذ الجنسية، لشباب متخرجين من معاهد ودون خبرة، وأعمارهم لا تتجاوز 20 سنة، لكن إنتاجيتهم مرتفعة. وجدت في حيدر آباد شركة صغيرة لبرمجة الخرائط الرقمية، تعمل 3 نوبات، 24 ساعة في 7 أيام، وفي كل نوبة عمل 250 مهندساً، وأكبر مدينة في العالم لا تأخذ معهم خريطتها الرقمية أكثر من 3 أيام... وجميع المهندسين لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، وقابلت العديد من مديري المعاهد، وسألتهم: لماذا الطالب لديكم متميز؟ فكان جوابهم: نحن في المعاهد والجامعات نضع المناهج وفق احتياج سوق العمل، والطالب يدرس ويتدرب لاكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل. فجميع شركات البرمجة العالمية عندما تصدر برنامجاً يزودوننا بنسخ مجانية من أجل تدريب وتعليم الطلاب، وعادةً البرامج ولغة البرامج التي تستثمر فيها الشركات الكبرى تكون لخدمة سوق العمل، فيتخرج الطالب من معاهدنا وجامعاتنا وهو متمرس قادر على أن يباشر العمل. عندها أيقنت أن جودة التعليم وتطويره مرتبطة باحتياج سوق العمل... لا يهم ماذا يحمل الموظف من شهادة (بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه) المهم إنتاجية الموظف، والإنتاجية مرتبطة بالتأهيل والمهارات المطلوبة في سوق العمل، بغض النظر عن الدرجة العلمية... ونحن ضيعنا وقت طلابنا في الجامعات، ولم ننتبه لمتطلبات سوق العمل إلا من فترة قريبة.
ختاماً، دولنا تخصص للتعليم موازنة كبيرة؛ لكن مخرجاته لا تتمكن من اقتناص الفرص التي تخلقها أسواقنا، المطلوب إيجاد العنصر X المفقود».