بقلم - سوسن الشاعر
قليلة هي المصادر الروسية التي يستعين بها إعلامنا العربي في تناول قضية مهمة كقضية الخلافات الأميركية الروسية حيال أوكرانيا، فأكثر قنواتنا أو صحفنا العربية تنقل ما يقوله الإعلام الأميركي القائل بالطبع بوجهة نظرهم الخاصة بهذا الخلاف.
ولهذا لفتت نظري ورقة مهمة قدمها «مركز الإمارات للسياسات» بعنوان «آفاق المواجهة الروسية - الأميركية حول أوكرانيا» تناولت وجهة النظر الروسية بشكل أدق وأكثر تفصيلاً لتعيد من خلالها ترتيب الأوراق بالنسبة للمراقب الخارجي والعربي بوجه الخصوص، وهو ما نحتاجه ويحتاجه إعلامنا أيضاً.
فليس من صالحنا في خضم هذه التنازعات أن تكون لدينا نظرة منحازة، خاصةً إذا علمنا أن ذلك الانحياز يأتي من إعلام دأب على تحوير الحقائق وفقاً لمصالحه الخاصة. إذ يصور لنا الإعلام الأميركي والمستند إلى تقارير الخارجية الأميركية أن روسيا هي الجانب (الشرير) في هذه الأزمة، إن صح التعبير، وأنها تحاول التمدد والغزو العسكري بدون وجه حق، لذلك فإن التصعيد الأميركي وصل إلى دعوة المواطنين الأميركيين إلى مغادرة أوكرانيا لأنها لا تضمن سلامتهم، وأنها لن تعمل على إجلائهم من هناك إن وقع صدام عسكري!!
أميركا بهذا التصريح وضعت أوكرانيا سياسياً واقتصادياً موقع دولة بها حرب فعلية، وترتب على ذلك زيادة حدة التوتر والتشنج بين المكونات الأوكرانية المنقسمة أصلاً والتي تعايشت طوال تلك السنوات بسلام، وأثرت سلباً على حركة الاستثمارات في أوكرانيا، ليس هذا فحسب بل دفعت الدول الأوروبية إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة مما خططت أو استعدت له وفقاً لمصالحها الخاصة، لذلك تبدو التباينات في المواقف الأوروبية تجاه هذا الخلاف والميل أكثر إلى جر الأمور لطاولة المفاوضات والحوار، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف والمطالب الروسية وهذا وكما يبدو لا تحبذه الولايات المتحدة، وليس هذا فحسب بل إنها ومن جانب آخر وضعت دولة قطر، في موقع المواجهة الروسية الأميركية كطرف منحاز للمصالح الأميركية، بعد أن طرحت عليها تزويد أوروبا بالغاز إذا وقعت المواجهة مع روسيا!
هذا التحشيد الدولي تفعله الولايات المتحدة إعلامياً بالدرجة الأولى موظفة قواها الناعمة في خدمة مصالحها لجر العالم كله لتبني وجهات نظرها، ونظراً لضعف أدواتنا الذاتية فإننا ننقل ما يلقى إلينا من دون تمحيص وفقاً لمصالحنا كدول ستتأثر بأي نزاع تكون «الطاقة» إحدى أدواته أو أسبابه، دونما حاجة للانحياز لأي من أطراف هذا النزاع، إنما العلم والاطلاع على وجهات النظر كافة يساعداننا في رسم سياساتنا وتحديد أولوياتنا ومصالحنا على أثر ذلك.
فهناك وجهة نظر روسية أرى من الضروري الاستماع لها بحيادية تتلخص حسب ما جاء في تلك الورقة بتجاهل من قبل الولايات المتحدة للمخاوف الروسية من تمددات الناتو، فتشير الورقة إلى «عدم تعامل الغرب بجدية مع المخاوف الأمنية الأساسية لروسيا في ملفي وقف تمدد الناتو شرقاً، والامتناع عن نشر أنظمة الأسلحة الضاربة بالقرب من الحدود الروسية، فضلاً على مسألة خلافية ثالثة تتعلق بإعادة نشر القدرات العسكرية والبنى التحتية للتحالف الغربي في المواقع التي كان الحلف ينتشر فيها عام 1997، عندما تم توقيع الوثيقة الأساسية للعلاقات بين روسيا والناتو». ثم أضافت الورقة «أشارت موسكو إلى مسألة أخرى رأت أنها يجب أن تكون (محورية) عند محاولة إعادة ترتيب علاقات روسيا والغرب؛ إذ خلا خطابا الرد من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي من أي إشارة إلى مطلب موسكو الالتزام بحزمة من الوثائق الأساسية الموقعة في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. والمقصود مبدأ عدم قابلية تجزئة ملف الأمن، ومحاولة أي طرف إطلاق برامج لتعزيز أمنه على حساب أمن الأطراف الأخرى».
ثم أشارت الورقة إلى تراجع احتمالية الحرب وعدم رغبة روسيا في القيام بمغامرة خسائرها منها أكثر من مكاسبها، وأن أقصى ما تهدف له روسيا من تلك الحشود هو الضغط للعودة إلى طاولة الحوار مع الأخذ في الاعتبار المطالب الروسية، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة بزيادة جرعات التسليح لأوكرانيا، فإن الطرفين الأميركي والروسي في النهاية يهدفان لتحسين أوراقهما التفاوضية.
الحقيقة التي نلمسها جميعا أنه لا أوكرانيا تريد الحرب رغم الانقسامات الحادة بين مكوناتها، ولا أوروبا المنقسمة تريدها وهي تعرف حجم خسائرها، فالجميع يسعى للتهدئة والحوار، إلا أن الإعلام الأميركي وحده هو، كما يبدو للمراقب، من يتجه للتصعيد بغرض الضغط على الجانب الروسي تفاوضياً.
في خضم هذه التباينات الروسية الغربية في المصالح، يحتاج إعلامنا إلى أن يأخذ في اعتباره التغيرات التي جرت على أجندة مصالحنا العربية وتحالفاتنا، حين ننقل أخبار تلك النزاعات التي قد تبدو بعيدة إلا أنه في ظل عالمنا المترابط فإنها أقرب إلينا مما نتصور.