بقلم - سوسن الشاعر
لا يبدو أن نوراً يسطع في آخر النفق حين يتعلق الأمر بالعربدة الإيرانية، ومعه لا يبدو أن هناك استقراراً لمنطقة الشرق الأوسط، ما دامت أوروبا والولايات المتحدة لم تحسما أمرهما بالنسبة لإيران، والأخيرة تضغط باتجاه وضع الاثنتين (أوروبا وأميركا) في مواقف حرجة وتناقضات وازدواجية معايير، تجاه ما تفعله إيران.
تتحدى إيران، أوروبا وأميركا، في أكثر من ملف، أحدها ملف حقوق الإنسان، فتختطف وتعتقل مواطنين أوروبيين أو أميركيين، ثم تساوم عليهم. سلوك إرهابي لا يمت بصلة لحقوق الإنسان، ويقابله خذلان وتراخٍ أوروبي أو أميركي يسترعيان الانتباه.
ففي ديسمبر (كانون الأول) 2020، كتبت وكالة الأنباء الألمانية «دويتشي فيله»: إيران تبتز ألمانيا عبر ملف ناهيد تقوي الحاملة للجنسيتين الإيرانية والألمانية.
والأسبوع الماضي، أفادت «رويترز» بأن متحدثاً باسم الخارجية الألمانية قال إن ألمانيا لا يمكنها تقديم المساعدة القنصلية لناهيد تقوي المواطنة الإيرانية الألمانية المسجونة في إيران، لأنه تتم حالياً محاكمتها في بلدها، ويذكر أن ناهيد التي تبلغ 66 عاماً حكم عليها بالسجن 10 سنوات!
فهل هذا ضغط من اليسار الألماني المضاد للهجرة عن الدفاع عن مواطنة مهاجرة؟ أم أن ألمانيا فعلت ذلك إكراماً للمفاوضات النووية مع إيران؟ وهل سيتخذ هذا اليسار الموقف نفسه من ألمان آخرين يحملون جنسيات مزدوجة عربية ألمانية في حال تمت محاكمتهم على خلفية قضايا متعلقة بالأمن في دولهم؟
في جميع الحالات، فإن الحقوق الإنسانية يبدو أنها أصبحت خاضعة للمواقف السياسية، بلا ثوابت للقيمة الإنسانية، وهي محاولة احتواء نظام إرهابي بمعنى الكلمة. والغريب أن سياسة الاحتواء تطبق فقط على إيران، أما على غيرها فهناك سياسة أخرى مغايرة.
على صعيد اليسار الديمقراطي الأميركي، كتب روبرت فورد مقالاً يوم الخميس الماضي في «الشرق الأوسط»، قال فيه «هناك أيضاً حركة بين الديمقراطيين لانتقاد مصر بسبب التساؤلات حول حقوق الإنسان. وشاهدنا في الأسبوع الماضي عندما طالب عضو بارز في مجلس الشيوخ الأميركي، هو السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الذي يرأس اللجنة الفرعية حول الشرق الأوسط، بخفض المساعدات العسكرية لمصر بمقدار ثلاثمائة مليون دولار». ثم أضاف: «ومن الجدير بالذكر أيضاً أن بلينكن أرسل تعليمات إلى الدبلوماسيين الأميركيين في يوليو (تموز) ليتحدثوا علناً عن انتهاكات حقوق الإنسان، وليلتقوا نشطاء حقوق الإنسان. وبذلك، يمكنكم رؤية تأثير الجناح اليساري للحزب الديمقراطي في إدارة بايدن»، وأن الاختبار القادم هو مصر!!
تناقض لا يمكن تقبله بأي منطق. التشدد مع مصر والتساهل مع إيران، رغم أن إيران تمارس إرهابها علناً، وأمام مسمع ومرأى المجتمع الدولي، فلم تنته بعد جرائم القتل الإيرانية لمواطنيها في الأحواز، وجرائم الابتزاز والمساومة مع الغرب، وللتو نصّبت إيران المسؤول عن مجزرة عام 1988 إبراهيم رئيسي رئيساً، كل ذلك يجري أمام أنظار اليسار الديمقراطي الذي يغض الطرف عنها، بل ويطالب بالإسراع بالعودة للاتفاق النووي معها، كما صرح المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية يوم الخميس الماضي.
أما المضحك في الموضوع، فهو أن المفاوضات مع إيران قد توقفت، لأن الفريق الأميركي وضع شرطاً بسيطاً جداً، ومع ذلك لم تقبل به إيران، فقد اشترط الفريق الأميركي الحديث «لاحقاً»، بعد الاتفاق، عن النشاط الإيراني في المنطقة وصواريخها الباليستية! فهل هناك تراخ أكثر من هذا تجاه العربدة الإيرانية؟
فلمَ إذن نعجب أن تمارس إيران عربدتها وتهدد الممرات المائية الدولية، وهي ترى الاندفاع نحوها من أجل استرضائها بلغ حداً كبيراً؟!
العربدة البحرية الإيرانية في الخليج العربي تحصيل حاصل، حيث سطت إيران على أربع سفن وقتلت اثنين من طواقمها، جرى ذلك بوجود القوات البريطانية والقطع البحرية الأميركية بالقرب منها، فكانت المواقف أوروبية أميركية متخبطة تتراوح من «رفع الأمر للأمم المتحدة»، وهو ما قامت به بريطانيا في جلسة مغلقة، و«سنتباحث مع شركائنا حول الرد المناسب»، وهو ما صرحت به أميركا!!
المأزق الذي يتعرض له المجتمع الدولي أن التصريحين لم يأخذا نصيبهما من الاهتمام الإعلامي، لأنه وكما يبدو لا أحد يأخذهما على محمل الجد.
إيران تستغل الصراعات الدولية والتسابق على مواقع النفوذ في الشرق الأوسط بين الغرب والشرق، هي تعرف دالتها بسبب موقعها، لذلك تتمادى في عربدتها وتنفذ أجندتها التوسعية، والأدهى أنها تساوم الطرفين، روسيا والصين من جهة، وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى.
ولن تتخذ إجراءات جادة لمواجهة هذا الإرهاب والابتزاز وهذه العربدة، إلا بعد أن تدرك هذه الدول أن الثمن الذي تدفعه لهذا النظام أصبح يكلفها أكثر من مكاسبها المتوقعة منه.