بقلم - سوسن الشاعر
أعاد مقال روبرت فورد، الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن والسفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر، طرح السؤال التقليدي حول ما إذا كانت السياسة الخارجية الأميركية حسنة النية وفقاً لأهدافها المعلنة، أم أن سبب الفشل هو سوء تقدير للموقف فقط؟ أم أنها ليست فاشلة أبداً، بل ناجحة وفقاً للأهداف السرية، وليس في الأمر سذاجة، وهذا ما يتبناه أصحاب نظرية المؤامرة.
نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن، أكثر من مقال لروبرت فورد يقر فيها بأن فشل الولايات المتحدة في العراق كان بسبب السذاجة وقلة المعرفة وسوء التقدير، وفق تعبيره «الأمر الأكثر أهمية، هو أن الأميركيين ارتكبوا خطأين استراتيجيين كبيرين في السنوات الأولى من الجمهورية العراقية الجديدة. أولاً، كان الأميركيون، وأنا من بينهم، ساذجين بشأن مشكلة الميليشيات. ففي سبتمبر (أيلول) 2003، عندما كنت ممثلاً لبول بريمر في النجف، اعتقلني (فيلق بدر) تحت تهديد السلاح لمدة أربع ساعات قبل إطلاق سراحي. لذا، عندما عملت في السفارة الأميركية منذ 2004، كنت أعرف خطر الميليشيات على الأمن والاستقرار في العراق. بيد أن الأميركيين ركزوا جهودهم على استئصال تنظيم (القاعدة) تماماً من العراق، وليس القضاء التام على الميليشيات العراقية المختلفة. ومن ثم، وبينما كنا نحارب ميليشيات مثل (جيش المهدي) بقيادة مقتدى الصدر، فقد رحبنا أيضاً بأعضاء الميليشيات، سواء من الأنبار أو صلاح الدين أو الحلة أو مدينة الصدر أو البصرة، للانضمام إلى العملية السياسية. وشجعناهم على الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تشكيل الأحزاب والتنافس في الانتخابات. كان تفكيرنا، الذي كان ساذجاً، أن قادة الميليشيات سيتخلون عن أسلحتهم وسيعملون فقط داخل البرلمان ومع مجلس الوزراء، لتأمين المشروعات لمجتمعاتهم. بيد أن الميليشيات احتفظت بأسلحتها، ولم تبذل الحكومة العراقية أي جهد مُجدٍ لنزع سلاحها. وتقبّل الأميركيون الأمر، لأننا لا نريد مواجهة حرب أوسع نطاقاً أو أطول زمناً. وبعد عودة القوات الأميركية إلى العراق سنة 2014، سعى الأميركيون إلى تدمير (داعش) فقط، وقبلنا بالتحالفات التكتيكية مع الميليشيات الموالية لإيران في قضية تدمير (داعش)»، انتهى الاقتباس وانتهى مصير العراق في يد الإيرانيين.
أما عن سوريا، فقال روبرت فورد، في مقال نُشر عام 2017، إن الجميع كان يعتقد أن الحرب ستكون قاسية على الحكومة السورية، وأنها ستتفاوض على صفقة وحل تفاوضي بدءاً من عام 2013، وستطلب عفواً من الشعب السوري، وسيذهب الأسد إلى الجزائر أو روسيا أو كوبا، وتكون هناك حكومة ائتلافية، لأن الجيش السوري سيكون ضعيفاً آنذاك.
وقال فورد، في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إن ما حدث هو العكس تماماً، «لأننا (الولايات المتحدة) لم نتوقع أن ترسل إيران وحزب الله آلاف المقاتلين لأجل الأسد».
وأضاف روبرت فورد: «في بداية 2013، توقعت ذهاب الأسد، ثم حصلت معركة القصير، ودخل حزب الله بشكل كبير وغيَّر دينامية الحرب، وبدأ الإيرانيون في التدخل أكثر، والعراقيون يأتون إلى سوريا». انتهى الاقتباس وانتهى مصير سوريا في يد الإيرانيين، فهل يعقل أن من شهد النهاية في العراق يتوقع غيرها في سوريا وهو الشخص ذاته ويتبع السياسة ذاتها؟
السياسة الخارجية للولايات المتحدة في سوريا والعراق تدخلت في رسم مستقبل هاتين الدولتين تحت عنوان مرفوع هو دعم الديمقراطية وتخليص العالم من أنظمة ديكتاتورية، والقضاء على الشر المتمثل في تنظيم القاعدة وأسلحة الدمار الشامل في العراق، وفقاً لهذا العنوان يقر الأميركيون بفشلهم ويعزون السبب إلى سذاجتهم وسوء تقديراتهم، إنما وفقاً لأصحاب نظرية المؤامرة، ليس في الأمر سذاجة، إنما المقصود فعلاً كان تدمير العراق وسوريا، وقد نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها وبجدارة!
في كلتا الحالتين أجابت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، عن سؤال للصحافية ليزلي شتان في برنامج «60 دقيقة»: «سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي ماتوا، وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما، هل الثمن يستحق؟»، فقالت أولبرايت: «أعتقد أن ذلك خيار صعب جداً، ولكن نعتقد أن الثمن يستحق ذلك». فإن كان ثمن المصالح الأميركية الذي تدفعه شعوب العالم موتاً لملايين الأطفال أمراً عادياً جداً، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل مَن يملك هذا الحس وهذا التقدير نقول عنه ساذجاً، لم يقدر الأمور كما يجب ولهذا (فشلت) سياسته في تحقيق الرخاء والاستقرار وازدهار الديمقراطية في الدول التي تدخلت فيها؟ أم أن تدميرها كان هو الهدف منذ البداية؟
وفي هذا السياق، هل بهذا الإقرار يدرك روبرت فورد الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى سوريا من 2010 إلى 2014، وقبلها عمل مع بريمر في العراق من 2004 إلى 2010 نتائج القرارات، وهدف تدمير العراق وسوريا وتسليم إيران مقاليد الأمر في هاتين الدولتين هو المطلوب وهو ما حدث؟
نترك الإجابة لعقولكم.