بقلم - سوسن الشاعر
كيف سيستقيم هذا التناقض الماكروني؟ الاعتراف بشرعية «حزب الله»، وهو الممثل لإيران في لبنان، مع تحذير إيران من التدخل؟ هل يتصور ماكرون أن روحاني بحاجة أن يدخل قصر بعبدا كي يقرر من هو الرئيس الجديد؟ ما حاجته ونائبه موجود؟
والأهم كيف ستصل رسالة اللبنانيين لماكرون، أن الجمع بين الاثنين هو قتل لما تبقى من لبنان؟ من سيحمل هذه الرسالة التي يؤمن بها كل اللبنانيين، الجميع يخشى على حياته، سماحة البطريرك قالها بخجل، والكتلة السنية صامتة، بما فيهم الرؤساء السابقون، فمن سيحمل هذه الرسالة؟ المفارقة أن ماكرون يعرف ذلك لكنه متغافل عمداً، ويلعب مع اللبنانيين لعبة (بدون كلام) ما دام لا أحد يجرؤ على الحديث عنها معه!!
لبنان كان ورقة رابحة لماكرون على الصعيد الدولي والصعيد الفرنسي، لو أنه أحسن قراءتها واستغلالها، لكنه فشل فشلاً ذريعاً باستشراف المستقبل، وظن أنه قادر على حمل رمانتين (إيران ولبنان) في آن واحد، فخسر الاثنتين!
يوم الثلاثاء بتاريخ 11 أغسطس (آب)، يحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من «أي تدخل خارجي» في لبنان خلال اتصال مع نظيره الإيراني حسن روحاني، بعد ثمانية أيام من الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية، وأدى إلى تظاهرات مناهضة للطبقة السياسية.
ثم في زيارته الأخيرة، يقول «إن (حزب الله) جزء من النظام السياسي اللبناني، وممثل انتخابياً في البرلمان»، وأضاف أنه «سيستخدم ثقله من أجل تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات».
كيف يستقيم حرصه على سلامة لبنان بعد تصويته الرافض لمد حظر السلاح على إيران الذي أجراه مجلس الأمن الدولي على المسعى الأميركي بعد ثلاثة أيام من الانفجار، حيث رفضت الصين وروسيا المقترح وامتنعت 11 دولة عن التصويت، من بينها فرنسا، التي لم تؤيد تمديد الحظر!
ماكرون يعرف أن أي حكومة ستتشكل في ظل سلاح «حزب الله» لن تتم إلا بموافقة إيران، ولن تختلف عن سابقتها، فكيف يستقيم هذا التناقض الفرنسي، لا أحد يعلم، دعم لإيران وتحذير لها، ودعم لبنان وعدم التطرق لأزمتها الحقيقية... لا أحد يدري.
لذلك لم يستقبل ماكرون، كما استقبل المرة الأولى التي ظن اللبنانيون أنها ممكن أن تحمل الأمل لهم، وأن الفرنسي سيؤدب من تسبب بالكارثة، بل إنهم قارنوا بين «أبوته» للبنانيين وأبوة رئيسهم الذي لم يخرج ليتواصل مع الشعب ويواسيه.
إنما بعد امتناع فرنسا عن التصويت على حظر السلاح، واعترافه بـ«حزب الله»، المرفوض لبنانياً، انكشفت الاستغلالية الفرنسية لآلام اللبنانيين، بل انكشف التذبذب في القرار الفرنسي، لذلك تحولت زيارته إلى شرب قهوة مع العظيمة فيروز و«فشة خلق» مع الجميلة ماجدة الرومي، وهذه نتيجة المحاولة الفاشلة لماكرون بمسك الرمانتين معاً.
اللعبة أكبر بكثير من مجرد تطييب خواطر و«طبطبة» على رأي حسين الجسمي على الشعب اللبناني، الأمر أن من أراد مساعدة لبنان عليه أن يتجنب خلط الأوراق الآن؛ هذا بلد على شفا هاوية لا يسمح له وقته بالمماطلة.
وما لا يدركه ماكرون، الذي فقد شعبيته في فرنسا، أنه أضعف الموقف الفرنسي المرتقب من لبنان، وفشل في توظيف شعبيته في لبنان من جديد حين اصطف كغيره من الدول الأوروبية في طابور الانتظار إلى ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية، عل وعسى يفوز الديمقراطيون، وتتعطل ماكينة العقوبات الاقتصادية، وتتنفس إيران، ومعها يتنفس اليسار الأوروبي، في حين أن لفرنسا إرثاً في المنطقة يعطيها قدراً من التمييز عن بقية أوروبا.
لكن فرنسا اختارت تحجيم دورها الدولي بنفسها، وقد شهدت ضعف الاستجابة لدعوتها لمؤتمر المانحين، بعد رفضهم تقديمها ما لم يتخل «حزب الله» عن سيطرته على الدولة، وكان بإمكان فرنسا أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في لبنان، وحتى في سوريا، لو أنها نظرت بواقعية إلى منطقة الشرق الأوسط، ووزنت مصالحها فيها في ظل المتغيرات التي لم يحسن ماكرون قراءتها.
تستطيع فرنسا أن تقدم الكثير، وتكسب، لا اللبنانيين فحسب، بل حتى الدول العربية المتضررة من التدخلات الإيرانية، إن هي نظرت بشمولية إلى المنطقة وإلى مصالحها فيها، لا مصالحها مع إيران، إنما يتطلب الأمر من الجانب العربي أن يبين لفرنسا هذا الارتباط ويتطلب من اللبنانيين - وهذا هو الأهم - أن يكون لهم موقف من هذا التناقض، حتى يقرر ماكرون إما الرمانة الإيرانية أو الرمانة العربية اللبنانية، ويتوقف عن محاولته غير الناجحة بحمل الاثنتين معاً.