الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ

الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ

الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ

 العرب اليوم -

الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ

بقلم - سوسن الشاعر

كنت أعتقد أننا العرب الأمة الوحيدة التي بالإمكان أن تساق «بالقمصان» وربما تقاد لحتفها من دون أن تدرك إلى أين تقاد، وإذ بالجماهير الغربية تفاجئك أنه حتى بعد رسوخ الديمقراطيات ونظام التمثيل النيابي بالإمكان تهييجها لمجرد «تي شيرت (حياة السود مهمة)»، لتخرج للشارع وتحطم وتهدم بيدها كل ما يعترض طريقها بهمجية تعود للإنسان البدائي، تلك حقيقة صادمة لا بد من الإقرار بها.

كنت أعتقد أنه في عالمنا العربي فقط تتمكن جماعات إرهابية من أن تضم الملايين من الأفراد تحت رايتها، وعلى مدى سبعين عاماً، أغناها «المصطلح» الذي سجلته باسمها عن امتحانات التقدم للمركز الذي سعت إليه، فما احتاجت لبراهين ولا احتاجت لأن تبرهن عن أقوالها بأفعالها، ولا احتاجت لأن تثبت ما تدعيه أن لها علاقة به، يكفيها رفع القميص فجذبت ملايين العرب والمسلمين من غير العرب تحت رايتها.

كنت أظن أنه في عالمنا نحن فقط تكتفي جماعة باسمها «الإخوان المسلمون» كدليل على إسلامها من دون فعلها، ثم لا تترك موبقة إلا وارتكبتها من العمالة إلى الخيانة إلى التآمر على أمتها العربية مما حرمه الإسلام، مع الأتراك والأميركان والبريطانيين وحتى مع الإيرانيين، ومع ذلك تنجح في تضليلنا فقط من خلال «المصطلح»، وأجبرتنا لسنوات على أن نجهد في فصل الممارسة عن الخطاب حتى نراها على حقيقتها، لنحاول التبيان ومقاربة الأدلة بالشعار، كل ذلك لمجرد أن شعارهم إسلامي تم منحهم الحصانة، ولو كانت التسمية مختلفة والخطاب مختلفاً والممارسة هي ذاتها لما انضم لها وناصرها ملايين العرب... تخيلوا نحن نساق لحتفنا بقمصان!!

جماعة أخرى رفعت قميصاً آخر بمصطلح «حزب الله» خطابها مقاومة يهيم عشقاً بحب آل البيت، لكنها قتلت من المسلمين ما قتلت، وتآمرت ودانت للإيرانيين واستوردت السلاح منهم وقاتلتنا به في لبنان وسوريا واليمن والعراق وتقول إنها تقاتل إسرائيل، وادعت أن هناك محوراً للمقاومة هي من تقوده تحت راية إيرانية، وتعاملت بالتهريب وبغسل الأموال وبكل شيء، ورغم ذلك أخذ منا وقتاً طويلاً كي نفصل بين تسميتها وممارساتها.

وكذلك «أنصار الله» وكذلك «الفاطميون» وكذلك «التكفير والهجرة» وكذلك «داعش» و«القاعدة»، جميعها استخدمت سيكولوجية الجماهير للفرنسي لوبون للسيطرة عليها، ودفعتها لاغتيال التاريخ وتحطيم الحاضر والاكتفاء بتقديس الماضي، سيكولوجية علمت أنه بمجرد رفعك القميص الديني المقدس قبل الآخر ستحتكر اللقب، وبأن خطابك العاطفي لا العقلاني هو ما يحرك الجماهير، وسيغنيك ذلك عن تقديم الإثبات والأدلة وسيتبعونك حتى إلى حتفهم.

كنت أظن أننا وحدنا من بقي تحركه خدعة القمصان، إلى أن فاجأتنا الجماهير الغربية أنها هي الأخرى تكتفي بقميص «حياة السود مهمة» الذي استخدم محركاً سيكولوجياً فجنى احتراماً وتقديساً يصلان إلى حد مسح الأحذية.

حراك «الجماهير» الغربية الآن حراك طغيان وحراك دمار، والذي يحدث الآن في الولايات المتحدة وكما حدث في فرنسا مع جماعات القمصان الصفر، هياج غير عقلاني يدمر مسرح التاريخ، كما قال لوبون، حتى فيلم «ذهب مع الريح» لم يسلم من الهياج الجماهيري، إذ أزالت منصة «إتش بي أو ماكس» فيلم «ذهب مع الريح»، الذي يعد أحد أشهر الأفلام الكلاسيكية في السينما الأميركية استجابة لدعوات مطالبة بحذفه من خدمة البث.

وقالت الشركة إن الفيلم الذي أنتج عام 1939 كان «عملاً مناسباً لعصره» وصور «المشاكل العنصرية والعرقية التي كانت خاطئة آنذاك ولا تزال خاطئة في عصرنا».

وأضافت الشركة أن الفيلم سيعود إلى المنصة في وقت لم تحدده مع «نقاش حول سياقه التاريخي».

وكان الفيلم الذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية الأميركية قد هوجم بسبب تصويره للعبودية.

ويصور الفيلم المأخوذ من رواية لمارغريت ميتشل شخصيات من العبيد يبدون راضين عن حياتهم، ويحافظون على ولائهم لأسيادهم بعد تحريرهم (بي بي سي).

صدق لوبون بأن الجماهير تصاب بلوثة في حراكها الهائج «لأنَّ روح الجماهير مكونة من الانفعالات البدائية التي دائماً ما تكون بعيدة عن المنطق والعقلانية، وكما أن روح الفرد تخضع دائماً لإيعازات وتحريضات القائد الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها. وفكرة لوبون بشكل مبسط هي أن كل الهزائم التي لحقت بفرنسا كان سببها هجمة الجماهير على مسرح التاريخ. كانت طروحات وأفكار لوبون ضد الحركات الاشتراكية والعمالية التي كانت تعتقد أن الحراك الجماهيري هو حراك عقلاني ولوبون كان يعتقد غير ذلك»(سيكولوجية الجماهير» - ترجمة هاشم صالح).

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ الهياج الجماهيري واغتيال التاريخ



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab