بقلم:مشاري الذايدي
سؤال كبير وضروري: ما هو الحدّ الفاصل بين المتابعة الإعلامية لأخبار الجرائم، والمسؤولية الأخلاقية تجاه «تطبيع» وإشاعة السلوك الإجرامي؟
أخبار الجرائم، خاصة الصادم منها والجديد، مادّة مغرية للمنصات الإعلامية لجلب المتابعين، وتكثير «الفيو» و«اللايك»... إلخ، لكن بنفس الوقت نجد أن المتابعة الإعلامية الحثيثة لكل التفاصيل تغري بعض المعاتيه والمرضى النفسيين وبعض المراهقين الميّالين للعنف بأعمال من أجل التباهي بالقوة.
نعم، في بعض الجرائم نجد النيابة تصدر أمراً بحجب التناول الإعلامي لهذه الجريمة أو تلك، ولكن مَن يحجب ملايين الحسابات على «تويتر» و«فيسبوك» و«تيك توك» و«يوتيوب»، ناهيك بالمدونات الشخصية وغروبات «الواتساب»؟
قبل 3 سنوات لم تجد صحيفة «التليغراف» البريطانية وصفاً أكثر مناسبة من «جريمة صُممت للسوشيال ميديا»، لتعنون به تقريراً عمّا قام به الأسترالي برينتون تارانت، الذي قتل 51 شخصاً داخل مسجدين في نيوزيلندا، بينما كان يحمل فوق رأسه «كاميرا» تبثّ جريمته لمتابعيه على الهواء مباشرة، مستخدماً منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأسترالي برينتون تارانت، حسب تقرير ضافٍ نشرته «الشرق الأوسط»، ضمن اعترافاته بعد فتح النار على المصلين في مسجد في كرايستشيرش بنيوزيلندا، سنة 2019، قال إن الكاميرا التي كانت مثبّتة في رأسه لتبثّ الجريمة مباشرة للعالم كانت «أقوى أسلحته»، طبقاً لنقل الصحيفة البريطانية.
مؤخراً قام شاب خسيس بقتل زميلته الطالبة، في مدينة الزقازيق المصرية، بسبب رفضها ورفض أسرتها له، جراء سلوكه المختل.
يقول تقرير «الشرق الأوسط» المهم، إن قاتل الطالبة سلمى بهجت كان منتبهاً لصناعة «ستوري» بعنوان «أتى أمر الله»، على حسابه في «واتساب»، يتوعد خلاله ضحيته قبل قتلها، وتمت مشاركة المنشورات آلاف المرات خلال ساعات!
قبلها «فتاة المنصورة»، نيرة أشرف، التي راحت ضحية زميلها بالجامعة أيضاً، في يونيو (حزيران) الماضي، استخدم قاتلها منصات التواصل الاجتماعي لتهديد الضحية وتوعدها، ونال من خلالها بعد ذلك دعماً من حسابات لأشخاص نظموا حملات لدفع كفالة لإخراجه... تخيّلوا؟!
هل يجب تدخل السلطات القانونية لضبط النشر حول الجرائم، وتعطش كثير من الحسابات على «تيك توك» وغيرها لجلب الأخبار الجديدة، بصرف النظر عن صحتها أو ضررها أو إخلالها بمجرى العدالة؟
وكيف يكون هذا التدخل وبأي أداة؟ وهل يمكن ضبط ملايين الحسابات الفالتة؟
لا علم لديّ... غير أن المعلوم بالضرورة أن السيئة تقول: أختي أختي. والمعاتيه من البشر قد يستيقظ في مغارات نفوسهم المظلمة بعضُ غيلان القتل والشرّ حين يصغي هذا الغول إلى هتافات «الميديا» و«السوشيال ميديا»... من طرف خفي!