بقلم:مشاري الذايدي
كتاب «الخلافة» أو «مسألة الخلافة» من مؤلفات الشيخ رشيد رضا (صاحب المنار) كما كان يُعرف في الأوساط السياسية والثقافية في مطالع القرن الماضي، وهو شيخٌ مصريٌّ من أصل طرابلسي، تحديداً من القلمون.
هذه الشخصية مرّت بأطوارٍ متنوّعة، حتى وفاته بالقاهرة 1935م، ولإيضاح بعض الملامح المؤطِّرة لحديثنا، نشير لهذه المحطّات:
السلطان عبد الحميد ارتقى عرش الدولة العثمانية سنة 1876م.
رشيد رضا كتب مجموعة مقالات قُبيل إلغاء الخلافة العثمانية، رسمياً، سنة 1922م جمعها لاحقاً في كتابٍ واحد.
إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، تحديداً، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 1924م.
كان - وما زال - حدثُ إلغاء نظام الخلافة، حتى بعد أن صارت مُجرد رمزية، تشبه رمزية الخلافة العبّاسية مع الدولة المملوكية بالقاهرة، التي جعلت الخليفة العثماني منصباً شرفياً رمزياً، في مضاهاة لصنيع السلاجقة وقبلهم آل بويه في بغداد.
كان همُّ رشيد رضا محاولة إحياء الخلافة، وتجريب أي سبيلٍ لذلك، وكان يرى أن الخلافة العربية الراشدة هي المثال الأعلى والممكن استعادته، لولا «إفساد العناصر الأعجمية» للحكم وللإسلام العربي!
وبعد محاولات رضا لاستعادة الخلافة العثمانية في طورٍ، ثم محاولة البحث عن خلافة بديلة، وصل إلى هذا المُقترح عن تكوين الخلافة: «يُؤلّف لَهُ لجنة أو جمعية مختلطة حرَّة مركزها الآستانة، تدرس كل ما يكْتُبهُ وما يقترحه أهلُ العلم والرأي في المسألة، ويكون ذلك تمهيداً لعقد مؤتمر إسلامي يُعْقد بعد الصُّلْح بِسنة أو أكثر من سنة».
بل إنه اقترح «إقناع التّرْك أَولاً بجعْل الخلافة في مركز الدولة، فإِن لم يسْتَجِيبُوا فليساعدوا على جعلهَا في منطقة وسطى من البِلاد الَّتي يكثر فِيها الْعربُ والتّرْك والكُرد كالموصل الْمُتنازع عليها بين العراق والأناضول وسوريّة... فَتكون الْموصل اسْماً وافق الْمُسَمّى».
لكنّه أقرّ بعد هُنيهة بأنّه «ضعيفُ الأمل في كُلٍّ من الْعرب والتّرْك».
هناك من يرى أن أصل فكر الإخوان (انطلقت الجماعة 1928م) هو فكر رشيد رضا، وأن الجامع بين السلف والخلف هو محاولات «الإحياء» العبثية لكيان الخلافة، وعدم الإقرار بأن الخلافة نظامٌ زمَنيٌّ سياسي، وليس واجباً دينياً، لا يصحُّ وجود وتصوّر الإسلام والمسلمين من دونه.
نحن لا نتحدّثُ عن جدلٍ فقهي أو مماحكات كلامية قديمة في مسألة الإمامة، بل عن جُرح مفتوحٍ - اليوم - يتجاهله العقل العام، ولا يتجّه له مشرط النقد، لاستخراج الشظايا الفاسدة منه، ثم تطهير الجرح وخياطته فالتئامه فنسيانه.
تلك هي «مسألة الخلافة» الحقيقية!